السفر عبر الزمن









كثير من أدبيات الخيال العلمي تناولت فكرة السفر الى الماضي أو الذهاب لزيارة المستقبل، وهي بلا شك فكرة مثيرة للاهتمام  لكن هل لها وجود في العلم؟

في هذا المقال سنلقي نظرة على نظريات علمية حقيقية يمكنها أن تجعل السفر عبر الزمن ممكنا




اجري بسرعة كبيرة

في عام 1910 وضع البرت اينشتاين نظرية النسبية الخاصة التي تخبرنا ان الزمن هو بعد رابع يضاف الى الابعاد المكانية الثلاث المعروفة، في هذه الحالة فإن السفر عبر المكان يعني بالضرورة السفر عبر الزمن، وهذه الطريقة معروفة لدى القارئ ربما ولهذا سنتكلم فيها بشيئ من التفصيل لكن أولا علينا أن نعرف معلومة وهي أن لاشيء مهما كان يمكنه أن يسافر أسرع من الضوء، اما لماذا سرعة الضوء بالذات فلن نخوض بهذا التفصيل لكن سنكتفي بالقول ان سرعة الضوء من الثوابت الكونية، وعلى اي حال نعود إلى نظرية النسبية الخاصة، لتوضيع مفهوم السفر عبر الزمن من وجهة نظر النسبية الخاصة تخيل سيارة تسير بسرعة ثابتة وغير مسموح لها بتغيير سرعتها لازيادة ولانقصانا، فقط بوسعها تغيير اتجاهها، عندما تسير بخط مستقيم فإنها تقطع 100 ميل في ساعة







لاحظ هنا ان السيارة تقطع بعد ساعة 100 ميل خلال البعد الاول ولكنها لاتسير أي مسافة خلال البعد الثاني أو الثالث، لكن اذا تحركت بشكل قطري بين البعدين الاول والثاني مع المحافظة على نفس سرعتها فإنها ستخسر من سرعتها في البعد الاول بنفس مقدار السرعة التي أعطتها للبعد الثاني







بعد ساعة من المسير قطعت السيارة 100 ميل بالمطلق ولكن بالنسبة للبعد الأول قطعت 50 ميل فقط خلال تلك الساعة هذا لانها خسرت نصف سرعتها للبعد الثاني

نفس المبدأ هذا ينطبق على البعد الزمني، لنتخيل شخص واقف في مكانه لايتحرك ، بوقوفه هذا فإن الزمن عنده يسير بسرعة الضوء وهي كما قلنا أقصى سرعة لأي شيء بما في ذلك الزمن، الصورة في الاسفل توضح جريان الزمن بالنسبة لشخص واقف في مكانه ولتسهيل الأمور فقد استغنينا في الصورة عن أحد الابعاد المكانية ورسمنا مكانه البعد الزمني،ولكن في الحقيقة فإن الابعاد الأربعة موجودة





 لكن إذا تحرك في أي من الابعاد المكانية فإن سرعة حركته حينها تؤثر على سرعة جريان الزمن، بحيث يتم خصم سرعته في الفراغ من سرعة جريان الزمن عليه تماما كما فعلنا في مثال السيارة السابق حيث خصمنا سرعتها في البعد الثاني من سرعتها في البعد الأول ولا فرق فعلي بين الابعاد الأربعة (3 مكانية و1 زمني) فما ينطبق على أحدها ينطبق على جميعها.






عندما يتم الخصم من سرعة الزمن فهذا يعني تباطؤ الساعة بالنسبة للشخص الذي يجري، بينما تبقى ساعات الاشخاص الواقفين بنفس سرعتها (سرعة الضوء)، وعلى هذا فالشخص الذي يجري هو بالفعل يسافر عبر الزمن الى المستقبل، لكن المشكلة أن سرعة الجري بل وسرعة الطائرة والسيارة ايضا لاتفارن بسرعة الضوء فبالتالي تباطؤ الزمن يكون صغيرا جدا بحيث لايمكن ملاحظته اللهم الا باستخدام ساعات ذرية شديدة الدقة،
إذا أردنا السفر عشرين عاما الى المستقبل فإننا بحاجة الى سرعات عالية قريبة من سرعة الضوء لإحداث التباطؤ الزمني المطلوب، فالشخص الذي يركب سفينة فضائية سرعتها قريبة من سرعة الضوء سيتم خصم كمية كبيرة من سرعة جريان الزمن عليه، فيصير الزمن بالنسبة له شبه متوقف بينما يستمر الزمن بالسير بشكل طبيعي بالنسبة لمن هم خارج المركبة فتمر دقيقة عليه بينما يمر اكثر من عشرين عاما على كوكب الارض بأكمله، وهذا هو معنى قولنا أن الزمن نسبي، ولعل هذه الطريقة هي الاسهل بالنسبة للتكنولوجيا الموجودة بين أيدينا الان، فكل ما علينا صنعه هو سفينه فضائية سريعة بما فيه الكفاية.


الجاذبية الهائلة

نظرية النسبية العامة تقترح أن كتلة النجوم والكواكب بما في ذلك كوكب الارض قادرة على جعل الفضاء (المكان) ينحني وبهذه الطريقة تعمل الجاذبية

       





وقد تحدثنا قبل قليل عن أن الزمن والمكان مرتبطين فانحناء المكان هو أيضا انحناء للزمن بمعنى أن الجاذبية تبطء الزمن فالزمن على سطح كوكب الارض أبطأ من الزمن في الفضاء الخارجي البعيد، طبعا جاذبية الارض أضعف من أن تبطء الزمن بشكل ملاحظ لكن يمكن قياس فرق الزمن هذا اذا استخدمنا ساعات دقيقة، ، لكن اذا أردنا السفر بسرعة عبر الزمن فينبغي علينا ايجاد جسم بجاذبية عظيمة مثل الثقب الأسود أو النجم النيوتروني ثم نقوم بالدوران حوله بسفينتنا الفضائية وستتكفل جاذبيته الهائلة بتبطيء الزمن بما فيه الكفاية ، وعندما تمر دقيقة علينا تمر بالمقابل سنوات خارج نطاق الجاذبية الهائلة، وهذه الطريقة أيضا تنفعنا فقط في حالة السفر للمستقبل أما السفر للماضي فهو في الطريقة التالية




الثقوب الدودية

النسبية العامة أيضا تقترح وجود ما يسمى بالثقوب الدودية وهذه أجسام افتراضية لم يتم التأكد منها بعد، فهذه الطريقة على عكس الطرق التي ذكرناها سابقا قد لانتمكن منها ولكن سنبقى متفائلين حيث أن النسبية العامة نظرية قوية جدا ويحتمل بشدة وجود الثقوب الدودية، والثقوب الدودية هي مثل الممرات أو الانابيب ولكنها مصنوعة من نسيج الزمكان (الزمن والمكان) نفسه






ويشبه العلماء الثقوب الدودية بالدودة الحقيقية التي بدلا من الزحف على سطح التفاحة فإنها تحفر لنفسها ثقبا خلال جسم التفاحة وتخرج من الجانب الاخر ومن هنا جاءت التسمية بالثقوب الدودية.

أما عن استخدام الثقوب الدودية للسفر عبر الزمن فنظريا يمكن أن تتم كالتالي،
أولا من أجل توضيح الأمور سنسمي طرفي الثقب الدودي (أ) و (ب) في حال دخولك من الطرف (أ) ستخرج بعدها من الطرف (ب)،قم بتوصيل احد طرفي الثقب الدودي بمركبتك الفضائية ودعنا نفترض ان مركبتك الفضائية متطورة جدا لتحمل بداخلها احد طرفي الثقب الدودي بينما الطرف الاخر ثابت على الارض دون حراك، سافر بمركبتك بسرعة كبيرة لتبطيء جريان الزمن على مركبتك (وقد ذكرنا في الطريقة الاولى ان الزمن يتباطأ على من يسير بسرعة بينما يجري بنفس السرعة على من هو ثابت)، إذا حملت في مركبتك الطرف (أ) وتركت الطرف (ب) على الارض ثم بدأت السفر في عام 2000 بعد سنة من السفر بالنسبة لك سيكون التاريخ في مركبتك يشير الى العام 2001 بينما على الأرض يشير التاريخ الى 2016 ، الان صار بإمكان أي شخص من عام 2016 أن يدخل من الطرف (ب) ليجد نفسه في 2001 عندك حيث الطرف (أ)، وكأن الثقب الدودي صار جسرا بين زمنين مختلفين، طبعا تطبيق هذا في الواقع صعب جدا فنحن لانعرف كيف نصنع تلك الثقوب الدودية ولاكيف نجعلها مستقرة حتى نستخدمها فما بالك بأخذ أحد طرفيها في رحلة فضائية، لاحظ أيضا ان هذه الطريقة وإن كانت تمكننا من السفر للماضي ولكن ليس الى أي نقطة نريدها، فنحن محكومون بلحظة انشائـنا للثـقب الدودي ولايمكن الرجوع لأبعد من تلك النـقطة.




اسطوانة تيبلر

الفيزيائي والرياضياتي فرانك تيبلر في ورقة بحثية له نشرها في عام 1974، قال بإمكانية صنع الة زمنية عن طريق صنع اسطوانة كبيرة في الفضاء وهذه الاسطوانة اذا دارت حول محورها بسرعة كافية فستـتمكن من فتل نسيج المكان والزمن بحيث انك اذا درت حولها عكس اتجاه دورانها فإنك ستسافر للمستقبل واذا درت مع اتجاه دورانها فستسافر بالزمن للماضي، والمشكلة الوحيدة في اسطوانة تيبلر هو طولها حيث أننا بحاجة الى اسطوانة لانهائية في الطول وهذا واضح أنه صعب جدا، ولكن في عام 1992 قدم عالم الفيزياء الفلكية ستيفن هوكينغ ورقة بحثية قال فيها أن بناء اسطوانة تيبلر محدودة المساحة ممكن ولكننا بحاجة الى ما يسمى الطاقة السلبية Negative Energy وهذا النوع من الطاقة هو طاقة افتراضية لم يتم التأكد من وجودها الى الان.  



سنكـتـفي بهذا القدر من الطرق للسفر عبر الزمن ولعل أساليب وطرق أخرى ستظهر في المستقبل وربما بعضها سيجد طريقه للتطبيق العملي، وكما يقول عالم الفيزياء النظرية ميشيو كاكو " السفر عبر الزمن صار الان مشكلة هندسية " بمعنى ان الفيزياء تسمح به لكن بقي تطبيقه على أرض الواقع، ولكن هذا لايمنع من ظهور أفكار نظرية جديدة أكثر سهولة في التطبيق. 



_______________________________________________
مصادر ومراجع




Share on Google Plus
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.