مخاطر الذكاء الإصطناعي (اذا استيقظت الحواسيب)










تحدثنا في مقال سابق عن الذكاء الاصطناعي الضعيف ومبادئه، وهذا المقال سنتناول الذكاء الاصطناعي القوي وخطورته المحتملة.
الذكاء الاصطناعي القوي هو مفدرة الالة على مجاراة عقل الانسان أو التغلب عليه في جميع الجوانب، يشمل هذا الجوانب الاجتماعية والعاطفية وليس مجرد القيام بالعمليات الحسابية.
ولعل أول ما يخطر في البال عند الحديث عن مخاطر الذكاء الاصطناعي هو صورة هوليودية عن الروبوتات الخارقة التي تفتك بالبشر أو على الاقل تسرق وظائفهم وتحيلهم للتقاعد المبكر.
قبل أن نتحدث عن مخاطر الذكاء الاصطناعي القوي علينا أن نسأل أولا اذا كان وجود شيء كهذا ممكنا من الاساس.
الذكاء الاصطناعي يملأ كل ما حولنا بدءا من العاب الفيديو وصولا الى تطبيقات الهاتف المحمول التي تقوم بترتيب بريدك الالكتروني وغير ذلك، ولكن كل تلك التطبيقات والبرمجيات لاتصل الى مستوى عقل الانسان والحقيقة انه الى هذه اللحظة لا يوجد ذكاء اصطناعي قوي ، لكن من يراقب قدرة التكنولوجيا على التطور بنمط متسارع سيرى ان ليس من المبكر الحديث عن ذكاء اصطناعي قوي يلوح بالافق.

هل بالإمكان صناعة ذكاء اصطناعي قوي؟ وكيف السبيل لصناعته؟
وهناك عدة طرق يحاول العلماء والمطورون الوصول من خلالها الى ذكاء اصطناعي قوي، وسنعرض أهمها:


أولا،

محاكاة العصبونات في الدماغ



يتكون دماغ الانسان من 100 مليار خلية عصبية وتتواصل فيما بينها مشكلة أفكار الانسان واحاسيسه وليس هذا فقط بل الوظائف اللاإرادية مثل التعرف على نبرة الصوت والتعرف على وجه الشخص الذي أمامك كل هذا يقوم بها دماغك بدون جهد واع منك وليس هذا فـقط بل اضف الى ذلك انك بمجرد ان تمشي أو تحرك ذراعك أو غير ذلك من المهمات البسيطة فإن دماغك يقوم بالاف العمليات الحسابية لانجاح ابسط الحركات، لاشك أن الدماغ أكثر تعقيدا مما يبدو عليه ومحاكاته عمل شاق، وما نقصده بالمحاكاة أن علينا جعل الحاسوب يتظاهر كما لو كان دماغا حقيقيا وهذا يتطلب أولا أن تكون قوة الحاسوب بمثل قوة الدماغ على الاقل، ولكن ما هي قوة الدماغ وهل قياسها ممكن؟ يمكن النظر للدماغ على أساس أنه حاسوب ففي النهاية الدماغ يقوم فعلا بعمليات مشابها لما يقوم به الحاسوب (عمليات حسابية نحن لانعيها مباشرة) وعلى هذا يمكن قياس قوة الدماغ عن طريق معرفة عدد العمليات الحسابية التي يستطيع الدماغ القيام بها خلال ثانية واحدة من الزمن ثم مقارنة ذلك بما يستطيع الحاسوب فعله، ويقدر العلماء أن دماغ الانسان قادر على القيام بـ 10 كوارديليون (10 مليون مليار) عملية حسابية في الثانية ، اما الحاسوب الشخصي الذي أمامك فقوته على الارجح 1 تريليون عملية في الثانية (دماغك اقوى من حاسوبك بعشرة الاف مرة) ، وفي الحقيقة هناك أجهزة حاسوب فافت قوة الدماغ، مثلا حاسوب Tianhe-2  الصيني وصل الى 30 كوارديليون عملية في الثانية، لكن قوة الحاسوب وحدها لاتكفي فينبغي برمجة الحاسوب ليتصرف كما تتصرف الاعصاب في الدماغ وهذا لا زال متعذرا، فنحن بحاجة أولا الى اجراء مسح للدماغ ومعرفة كل خباياه  قبل ان نأمر الحاسوب بتقليده ولاننسى أيضا أننا بحاجة الى برمجيات software قادرة على عمل محاكاة كهذه، اذا حصلنا على حاسوب قوي بما فيه الكفاية ومعرفة دقيقة بالية عمل أعصاب الدماغ فستقوم البرمجيات الصحيحة التي سنصنعها بانشاء نموذج رقمي للدماغ داخل الحاسوب وهذا النموذج لن يختلف في اي شيء عن الدماغ الحقيقي وبهذا يصير بحوزتنا حاسوب يحاكي الدماغ البشري الحقيقي، في عام 2005 قام مجموعة من الباحثين بتوصل 27 معالجا حاسوبيا لمحاكاة دماغ (غير بشري) يتكون من مئة مليار خلية عصبية واستقرقت المعالجات الحاسوبية 50 يوما لمحاكاة ثانية واحدة من الدماغ، بمعنى أن المحاكاة صحيحة ولكنها بطيئة جدا.(1)



ثانيا،

الخلايا العصبية الالية



وميزة هذه الطريقة انك لست بحاجة الى برمجيات لتنجح ، ولكننا لازلنا بحاجة الى مسح تصويري للدماغ بتفاصيله ثم نقوم بعد هذا بصناعة دارات الكترونية تشابه خلايا الدماغ الذي قمنا بتصويره، بمعنى صناعة دارة الكترونية واحدة لكل خلية دماغية موجودة بحيث تكون الدارة مطابقة تماما للخلية المأخوذة عنها، لها نفس المواصفات ونفس التوصيلات وتحمل نفس، وبعد الانتهاء من استنساخ جميع الخلايا الدماغية يكون الناتج عندنا دماغا الكترونيا يطابق تماما الدماغ الحقيقي فهو في النهاية نسخة كربونية الكترونية عنه، والمثير للاهتمام بهذه الطريقة أننا لسنا بحاجة الى برمجيات أو أكواد لنبرمج الدماغ الالكتروني ونخبره كيف يتصرف والسبب أنه نسخة مطابقة للدماغ البيولوجي ويتصرف مثله بدون الحاجة لاخباره كيف يتصرف.
في عام 2015 اعلن القائمون على مشروع OpenWorm (وهي مبادرة تهدف لصناعة دماغ الكتروني مأخوذ من دودة الارض) انهم تمكنو من صناعة دماغ الكتروني يعادل ثلث دماغ دودة الارض ووضعو الدماغ الالكتروني في روبوت ، الروبوت لا يشبه الدودة في شكله فله اطارات وكاميرا ومجسات ولكنه يتصرف مثل دودة الارضن بما أنه يمتلك دماغ دودة فسيظن نفسه دودة(2)(3)(4)(5) ، ولايزال هذا المشروع بانتظار مراجعة العلماء الا أنه لا شك في كونه خطوة كبيرة نحو صنع نسخة الكترونية من دماغ بشري، وان كان الطريق لايزال طويلا أمامنا.
وهناك محاولات أخرى مشابهة لصناعة أدمغة الكترونية أقل من دودة الأرض تتكون من عدد قليل من الدارات الكهربائية التي تحاكي في عملها الخلايا العصبية وإن كانت غير مأخوذة من أدمغة حقيقية، أعني أنها مجموعة من الدارت التي تم تركيبها على شكل دماغ ثم تم وضعها في روبوتات وبما أن الروبوتات تلك صار عندها أدمغة فهي تتصرف وتتحرك وفق ما تمليه عليها تلك الادمغة البسيطة فحركتها أقرب للعشوائية، ولكنها تتصرف وتتحرك بدون أكواد برمجية انما وفقا للاشارات الكهربائية الصادرة من أدمغتها.
هذه التجارب تطرح أسئلة على المستوى الفلسفي وليس فقط العلمي فهل هذه الروبوتات بادمغتها المستقلة وبدون أوامر توجهها تعتبر كائنات حية؟ على الارجح لا، فهي لا تتغذى وتتكاثر كما الكائنات الحية تفعل، لكن يبدو أن من غير المستبعد تمكننا من صناعة الالات تحاكي الكائنات الحية في كل ما تفعله وعندها يصعب علينا وضع الحد الفاصل بين ما هو حي وما هو غير حي.
سأكتـفي بهاتين الطريقـتـين الرئيسيتن وهناك طرق رائعة أخرى منها أن يتم تعليم الحاسوب عن طريق التجربة والخطأ، بمعنى برمجة الحاسوب ليتعلم عن طريق محاولته ان يتصرف كما يتصرف البشر، ولانريد الخوض في هذا الان للاختصار والتبسيط، لكن ما يجدر ذكره أن عالم الحاسوب الشاب توم مورفي Tom Murphy تمكن باستخدام هذه الطريقة من تعليم حاسوبة كيف يلعب ألعاب فيديو قديمة ويتفوق بها على البشر(6)، وهذه الطريقة تسمى الخوارزمية الجينية أو الخوارزمية التطورية، لأنها تعتمد على تجربة عدة حلول واختيار الاصلح بينها، والخوارزمية الجينية تستخدم في مجالات كثيرة مثل الصناعة وهي من الطرق المشهورة لتطبيق الذكاء الاصطناعي الضعيف.   
عندنما تنجح احدى الطرق السابقة فسنحصل على ذكاء اصطناعي يساوي ذكاء الانسان، أما متى سيكون ذلك فالتقديرات تختلف لكن أغلب العلماء متفقين على أن الذكاء الاصطناعي بمستوى البشر سيكون متوفرا في عام 2060 وقد يبدو هذا بعيدا ولكن تذكر ان هذا يقع ضمن فترة حياتنا فعلى الاغلب ستعيش يا من تقرأ هذا المقال لترى الذكاء الاصطناعي القوي.
لكن ماذا عن ذكاء اصطناعي اذكى من البشر؟ هذا ممكن أيضا بنفس الطرق التي ذكرناها لا تنسى أن البشر مختلفين بمستوى ذكائهم ايضا امتلاك المقدرة على تصوير الدماغ ومعرفة خباياه سيمكننا من فهم موضوع الذكاء بشكل أكبر، وفي حال صنعنا لروبوتات او حواسيب أذكى من البشر نكون قد وصلنا الى ما يسميه بعض العلماء "التـفردية" Singularity وهو مصطلح فيزيائي في الاصل ولكنه يستخدم في مجال الذكاء الاصطناعي لوصف تلك الحالة عندما تقوم الروبوتاات الاذكى من الانسان بصناعة روبوتات اذكى منها هي، وسيسهل عليها هذا فهي ذكية جدا، والروبوتات الذكية من الجيل الثاني ستصنع بدورها حواسيب وروبوتات اذكى منها بكثير وتستمر هذه السلسلة حتى يصبح البشر اغبياء للغاية بالنسبة للروبوتات وحواسيب تلك الروبوتات، أما ما سيحدث بعد التفردية فيصعب بشدة تخيله ولكنه لا يبدو خيرا، فنحن لا نخدم الحيوانات الأقل ذكاء منا مثل الشمبانزي والقرود بل نضعها في اقفاص لحمايتها واطعامها فماذا نتوقع من الروبوتات العبقرية التي نبدو كالبلهاء أمامها، طبعا ليس بالضرورة أن تقوم الروبوتات بثورة ضد صانعيها ربما تستمر في خدمتنا كما تفعل الان فيصعب كما قلنا توقع ما سيحدث للعالم بعد التفردية ولكن الحذر واجب وعلماء كثر يحذرون من الذكاء الاصطناعي القوي ومخاطره فلا ينبغي أخذ الموضوع بأقل من الجدية التامة، الباحث والملياردير الامريكي ايلون موسك (مؤسس باي بال ، تيسلا موتورز و سبيس اكس) قال بأن الذكاء الاصطناعي القوي أكثر خطورة على البشر من الاسلحة النووية، الاسلحة النووية لم تقض على البشر، على الاقل ليس بعد، ونحن نستخدم الطاقة النووية في الوسائل السلمية مثل توليد الطاقة وغير ذلك، فليس بالضرورة ان ننقرض على أيدي الذكاء الاصطناعي ولكن كما قلنا فمن واجبنا الحذر الشديد.

بعيدا عن الانقراض وهلاك البشرية الذكاء الاصطناعي القوي قد يجرد الالاف أو الملايين من وظائفهم، تماما كما أخذت الاليات الحديثة مكان الحيوانات كالخيول وغيرها، اذا حصل هذا فسيبدأ بالايدي العاملة التي تعتمد على الجهد العضلي مثل عمال المصانع، بل هؤلاء محتمل ان يفقدو وظائفهم لذكاء اصطناعي ضعيف فلا تحتاج وظائفهم لجهد عقلي كبير، وبعد ذلك مع تطور الذكاء الاصطناعي سيستمر فقدان الوظائف التي تستخدم جهدا عقليا أكبر مثل مبرمجي الحاسوب، ولا يوجد ما يمنع الذكاء الاصطناعي من استبدال مدراء الشركات في وقت ما.

الوعي الاصطناعي

في البداية نريد تعريف الوعي، والوعي هو ادراك وجود الذات وإذا سألتك كيف تعرف أنك موجود فالجواب هو الوعي، والوعي الاصطناعي هو فرع من علم الذكاء الاصطناعي، ويختص بدراسة امكانية اكتساب الحواسيب خاصية الوعي التي يمتلكها الانسان وتمتلكها بعض الحيوانات، وقد تستغرب مما سأقوله ولكن الذكاء الاصطناعي القوي بل حتى المتفوق على ذكاء الانسان لا يشترط أن يمتلك وعيا، لتبسيط الموضوع تخيل كائنا من الفضاء زار الارض وبينما تتحدث اليه يجيب ذلك الفضائي عن كل أسئلتك ومن الواضح أنه يفهم كلامك ويرد عليك بجمل مفيدة، قد تعتقد أن الكائن الفضائي الذي أمامك كان واعي وقد تجزم بهذا لكن اعتقادك هذا قد لا يكون في محله، فربما ذلك الكائن غير واع ولكنه مجرد الة تمت برمجتها لترد على السائل بردود صحيحة عن طريق اليات معقدة في هذه الحالة محال أن تعرف إذا كان ذلك الكائن الفضائي الذي أمامك واع أم لا، نفس المشكلة هذه تنطبق على الحواسيب ففي حال صنعنا لحاسوب عن طريق احدى الطرق التي تحدثنا عنها في هذا المقال فلا مجال أبدا لمعرفة اذا ما كان الحاسوب الذي امامك قد امتلك الوعي فعلا، لن نعرف هذا عن طريق التخاطب معه فحتى لو سألناه "هل انت واع؟" فسيجيبنا بنعم حتى لو لم يكن واعيا، والحقيقة أن مسألة الوعي من المسائل الشائكة ولازالت موضع خلاف كبير بين العلماء والفلاسفة وامكانية صنع الات واعية شيء خلافي ايضا لكنه ممكن في حال كان منشأ الوعي البشري في الدماغ، ففي هذه الحالة صناعة نسخة مطابقة عن الدماغ كفيل بخلق وعي في الالة، لكن من ناحية عملية فإن وجود وعي في الالة لايهم، فإذا كان الحاسوب أو الروبوت الذي أمامك يتصرف كما لو كان واعيا ويجري معك محادثات لفظية على مستوى عال فان يهمك حينها اذا كان واعيا أم لا فهو يقوم بما تقوم به الكائنات الواعية.


في الختام، ليس هدف المقال هو أن نصاب بالذعر ولكن فتح عقولنا على تكنولوجيا شغلت ولاتزال تشغل عقول العلماء، وخطورتها تنافس الاسلحة النووية أو تزيد عليها ربما، وحتى وصول الى الذكاء الاصطناعي القوي سنبقى نستفيد من صداقتنا مع الحواسيب الشخصية حتى وان كانت غبية.  





مصادر و روابط خارجية:


Share on Google Plus

1 التعليقات:

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.