واحدة من الروايات المفضلة عندي هي رواية "موعد مع راما" Rendezvous with Rama وتتحدث عن حياة البشر في المستقبل حيث تم استعمار كواكب المجموعة الشمسية وصار كل كوكب دولة مستقلة، لكن هل يمكن أن يتحقق هذا في الواقع وأن يتم استعمار كواكب اخرى والعيش على غير هذه الارض؟
استعمار الفضاء والسكن فيه ليس بالفكرة الجديدة كما سيتبين معنا، الا أن الفكرة لقيت رواجا وزخما عند وصول أول انسان للقمر، حيث صار واضحا حينها أن الفضاء ليس ابعد من قدرتنا، وأن قوة العلم الذي اخذتنا الى القمر بوسعها جعلنا نسكن فيه، باختصار صار الفضاء جزءا من الثقافة الشعبية وليس حكرا على العلماء المتخصصين.
بما أن استعمار الفضاء هو أكبر المشاريع التي سنقوم بها، فما هي الفائدة التي سنجنيها من دفع المليارات والاف ساعات العمل، لمجرد أننا نريد السكن خارج الارض؟
والحقيقة أن استعمار الفضاء ضرورة وليس رفاهية فالارض لن تتحمل التزايد المستمر في أعداد السكان، يعيش على الارض الان مايقارب 7 مليارات انسان، يستهلكون الاراضي الزراعية و موارد المياه والموارد الطبيعية، ومع التزايد في اعداد السكان لن تكفي تلك الموارد حاجتنا، ويقدر العلماء ان الارض ليس بوسعها احتمال أكثر من 10 مليارات انسان وتقدر الامم المتحدة أننا سنصل لذلك الرقم بحلول عام 2100، فبالتالي استعمار الفضاء ليس الا توسع طبيعي للسكان تماما كما يتم توسيع المدن وبناء مدن جديدة على الارض لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان.
تجنب الانقراض
يقول عالم الفلك كارل سيجن: الانقراض هو القاعدة والبقاء هو الاستثناء، ومعنى الكلام أن الكائنات التي انقرضت أكثر بكثير من الانواع التي تعيش الان، والانسان ليس محميا من الانقراض، وقد تبدو فكرة انقراض البشر فكرة غريبة فلسنا كالكائنات الاخرى حيث أننا نمتلك التكنولوجيا التي تجعلنا في أعلى هرم القوة، الا أن هذه التكنولوجيا قد تتسبب في اهلاكنا، وواحدة من المخاطر المحتملة هي قيام حرب نووية، اذ يوجد على الارض الان أكثر من 15 الف راس نووي وهذه كافية للتسبب بمقتل معظم البشر إن لم يكن جميعهم.
هناك امكانيات أخرى لفناء البشر غير الاسلحة النووية مثل اصطدام مذنب بالارض، أو انتشار وباء لايمكننا ردعه، ومهما كان السبب الذي سيؤدي للانقراض بامكاننا تجنب الانقراض حتى لو لم نتجنب سبب الانقراض، فإذا اصطدم نيزك بالارض فسينجو سكان المستعمرات الاخرى ويبقى الجنس البشري، أو يمكن لسكان الارض اللجوء كنازحين في حالة الحرب النووية.
مصالح أخرى
التعلم: إن مجرد محاولتنا للصعود للقمر كفيل بتعليمنا ما نجهله، علينا أن نتعلم كيفية بناء مركبات سريعة هذا سيطرنا لاكتشاف قوانين فيزياء جديدة، سنضطر ايضا للتعلم عن تركيبة القمر والكواكب الاخرى، والظروف التي بوسع الانسان أن يبقى خلالها حيا هذا سيطرنا للمزيد من الدراسات حول جسم الانسان، وغير ذلك مما يجدر بنا تعلمه أثناء محاولتنا لاستعمار الفضاء.
طبعا استعمار الفضاء لن يكون فقط وسيلة للبقاء والتعلم فالحياة اكثر من مجرد حل للمشكلات، ان الشغف الذي يصيبنا لغزو الفضاء لهو سبب كاف بالنسبة لنا، فحب الاستكشاف جزء من عقليتنا كبشر ولم يدخر الانسان قديما جهدا في بناء السفن واستكشاف القارات الجديدة، وعندما حاول الانسان استكشاف القارات والبحار، لم يخطر ببالهم الفائدة من استكشاف تلك الارضي والقارات الجديدة وانما دفعهم الفضول وحده.
كيف سنذهب
أن أول سؤال يخطر ببالنا عند الحديث عن استعمار الفضاء هو كيف نصل الى هناك، وليس مجرد الوصول فقط بل نحن نتحدث عن نقل عدد كبير من السكان بما يكفي لانشاء مستعمرة دائمة، والمقصود بالمستعمرة الدائمة هي المستعمرة التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي ويستطيع سكانها العيش بدون الاعتماد على الارض، بمعنى أن يمتلك سكان المستعمرة مقدرة صنع غذائهم الخاص بهم وملابسهم وكل احتياجاتهم، فكر كم شخصا يلزم لتحضير طبق طعام واحد، بدءا من المياه التي تستخرج من باطن الارض وعمال احضار المياه، ولا تنسى كاس الماء الزجاجي نفسه كيف استخرجت المواد الاولية وكيف تمت صناعتة، ويقدر عدد البشر اللازمين لبناء مستعمرة مكتفية ذاتيا بمليون إنسان وليس هذا فقط بل نحتاج الى نقل الى المواد الاولية لبناء المستعمرة، والتكنولوجيا التي بحوزتنا الان بوسعها نقل المعدات والبشر الى الفضاء ولكن المشكلة تكمن بالتكلفة العالية لارسال ما يكفي من بشر ومعدات لبناء مستعمرة فضائية.
حتى نأخذ فكرة عن حجم التكلفة المطلوبة لارسال مليون انسان مع كامل عتادهم الى الفضاء علينا أن نعرف أن تكلفة رحلات ابولو الى القمر ما بين عامي 1969 و 1972 كانت أكثر من 25 مليار دولار وهو ما يعادل 125 مليار في هذا الوقت، وتم ارسال 12 شخص في 6 رحلات، أما الرحلات المأهولة الى محطة الفضاء الدولية فـتكلف كل رحلة مليار ونصف المليار دولار.
ومن الواضح أن علينا أيجاد طريقة لتخفيف عبء التكلفة الى الحد الذي يتمكن فيه اي شخص من السفر للفضاء اذا ما أردنا انشاء مستعمرات فضائية تكون بمثابة امتداد لهذه الارض.
والحقيقة أن هناك سعي حثيث من بعض الشركات الخاصة بالاضافة الى وكالات الفضاء الحكومية لجعل تكلفة السفر الى الفضاء معقولة، شركة سبيس اكس SpaceX شركة متخصصة في صناعة الصواريخ الفضائية وتقوم، على العكس من الشركات الاخرى، بصناعة جميع أجزاء الصروخ في معاملها بدلا من شراء أجزاءه وتجميعها، وبهذه الطريقة صارت الرحلة غير المأهولة لمدار الارض تكلف 8 مليون دولار، ولازال هذا رقما بعيدا عن متناول عامة الناس لكنه يعتبر انجازا اذا ما قورن بتكلفة الرحلة بالصورايخ التقليدية وهي 50 مليون.
وكالة ناسا وجدت طريفة لتكلف الرحلة المأهولة للقمر 10 مليار فقط وهذا عشر المبلغ الذي انفقته ناسا على مشروع أبولو، وذلك عبر الاستعانة بوكالة الفضاء الاوروبية واستخدام معدات من شركة سبيس اكس بالاضافة الى اخذ الوقود من القمر، بما أن القمر يحتوي على الماء المتجمد الذي يمكن فصله الى اكسجين وهيدروجين فسيستخدم الهيدروحين سيعطي القوة الدافعة للمحرك بينما سيستخدم الاكسجين في مرحلة الاحتراق وما يتبقى منه يستخدم للتنفس.
ظروف العيش
عندما نتحدث عن العيش خارج الارض فنحن في الواقع نتحدث عن العيش في بيئة غير صالحة لاستضافة الحياة، واستعمارها يعني جعلها صالحة للحياة، عبر توفير ظروف مشابهة لظروف الارض.
الأكسجين يتوافر في الغلاف الجوي للأرض ممزوجا بنسبة معينة مع غازات اخرى ووجود هذه التركيبة كما هي ضروري داخل المستعمرات الفضائية اذا لم نرد الاختناق والموت.
لا يكفي توفر الاكسجين للتنفس بل ينبغي ايضا توفر الضغط الجوي بالمقدار المناسب، على الارض الغلاف الجوي كفيل بتوفير الضغط الجوي لنا، إن انعدام الضغط الجوي كما في الفضاء الخارجي أو نقصانه كما في المريخ يجعل السوائل تتسرب خارج الجسم عن طريق الجلد، ويؤدي هذا للموت خلال دقائق معدودة.
في الفضاء الخارجي درجة الحرارة تساوي 271 درجة مئوية تحت الصفر، وهذا أقل بكثير من الحد الادنى للعيش أما على الكواكب فيختلف الوضح بحسب قربه من الشمس وبحسب الجهة المواجهة للشمس، في القمر الجهة المواجهة للشمس درجة حرارتها 123 مئوية بينما الجهة الاخرى الغير مقابلة للشمس تنخفض حرارتها الى 153 مئوية تحت الصفر.
ليس بعد الكوكب عن الشمس وحده يقرر درجة حرارته بل الغلاف الجوي ايضا، على الارض يعمل الغلاف الجوي على حفظ الحرارة اثناء الليل ومنع الشمس من تسخين الارض بشدة اثناء النهار، ايضا يحتوي الغلاف الجوي الارضي على غاز الاوزون الذي يحمي الارض من الاشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس.
النيازك الدقيقة Micrometeoroids تشكل خطرا، بالرغم من أن وزن النيزك الواحد لا يتجاوز الغرام، الا أن خطورتها تكمن في سرعتها الكبيرة، تحترق النيازك الدقيقة عندما تحتك بهواء الغلاف الجوي وهكذا يحمينا الغلاف الجوي من ضررها، وتشكل النيازك الدقيقة خطرا على الرحلات الفضائية حيث بوسعها احداث ثقوب في سطح المركبات وإعطابها.
الكون مكان خطير فهناك النجوم التي تنفجر والكوازارت وغير ذلك من الظواهر التي ترسل سيلا من الاشعاع يسمى عادة بالاشعة الكونية، والاشعة الكونية خطيرة على الكائنات الحية من حيث قدرتها على تدمر الـDNA الموجود داخل الخلايا الحية والتسبب بالسرطان، بالنسبة للأرض المجال المغناطيسي الأرضي يحمي من تلك الاشعة.
الجاذبية لها أهمية اكبر مما تبدو عليه فهي تمسك بالغلاف الجوي حتى لا يتبعثر في الفضاء، الجاذبية أيضا لها دور في حفظ صحة الانسان وتحديدا الهيكل العظمي، رواد الفضاء الذين يقضون وقتا طويلا في حالة انعدام الجاذبية تصيبهم أمراض مثل هشاشة العظام، والسبب أن عظام الانسان مصممة لجاذبية كجاذبية الارض وانعدام الجاذبية بجعل الجسم يستغني عن كثافة العظام ليبدأ العظم بفقد قوته تدريجيا، رواد الفضاء يصابون ايضا بحالات من تجمع السوائل في الوجه بسبب عدم وجود جاذبية لتبقي السوائل في الوضع الطبيعي.
هذه المخاطر الصحية دفعت وكالة ناسا الى اجبار رود الفضاء على اداء التمارين البدنية الشاقة من أجل ضمان استمرار الضغط على العظام للتقليل من حدة هذه المشكلات الصحية.
مهما كان نوع المستعمرة الفضائية التي سنبنيها علينا توفير متطلبات الحياة التي ذكرناها بطريقة أو بأخرى مستفيدين مما نعرف حول الفضاء وظروف الكواكب والتقنيات التي بحوزتنا.
في هذا المقال سنذكر ثلاثة أنواع للمستعمرات الفضائية
المستعمرات المدارية
المستعمرات القمرية
المستعمرات المريخية
مستعمرات مدارية
عند استعمار الفضاء ينبغي اخذ المسافة بين المستعمرة والارض بعين الاعتبار، من أجل تسهيل حركة السكان والبضائع من الارض الى المستعمرة، وأقرب نوع من المستعمرات هو المستعمرات المدارية، وهي المستعمرات التي تدور في مدار الارض، المستعمرة المدارية تشبه سفينة فضائية عملاقة، تحتوي على كل يحتاجه سكانها للبقاء فيها للابد، فهي ستكون موطنهم وموطن أبناءهم من بعدهم.
لتوضيح مفهوم المستعمرات الفضائية سنتحدث عن المحطات الفضائية، والمحطة الفضائية هي سفينة فضائية تدور حول الارض كما تدور الاقمار الصناعية باستثناء أن حجمها أكبر بكثير ويمكنها استضافة رواد الفضاء بداخلها لعدة أيام أو أسابيع، والمحطة الفضائية الوحيدة التي لاتزال تعمل الان هي محطة الفضاء الدولية International Space Station(ISS) وهي بحجم ملعب كرة القدم وتحتوي بداخلها على مختبرات للعمل ومطبخ لأعداد الطعام وصالات رياضية لرواد الفضاء العاملين فيها.
يمكننا النظر لمحطة الفضاء الدولية على أنها مستعمرة مصغرة أو أنها الخطوة الاولى لبناء مستعمرات مدارية، محطة الفضاء الدولية مكان للعمل بينما المستعمرة الفضائية هي المدينة أو الدولة.
شكل المستعمرة المدارية في الغالب سيكون كرويا، ويمكن أن يكون اسطوانيا أيضا، قطرها قد يمتد من نصف الكيلو متر الى 5 كيلومترات، وسيعيش البشر على سطحها الداخلي وستحتوي على كل شيء يحتوي عليه كوكب الارض، سيتمكن البشر من السكن والعمل والعلاج والشجار مع جيرانهم ربما، وممارسة حياتهم بشكل طبيعي كما لو كانو على الارض.
هذا يعني وجوب توفير المياه والغذاء والاكسجين للتنفس والضغط الجوي ودرجة الحرارة المناسبة والحماية من الأشعة الكونية، وكل واحدة من هذه المتطلبات سيتم تلبيتها باستخدام التكنولوجيا بدلا من أن تتوفر بشكل طبيعي كما الحال على الأرض، ففي كوكب الارض تتبخر مياه البحر وتتكاثف في الغلاف الجوي ليسقط المطر ويوفر مياه الشرب لنا، لكن هذه العملية تتطلب أن نفعلها بأنفسنا في حالة المستعمرات المدارية وكأن الأمر أشبه بصناعة كوكب بدلا من السكن فيه.
سيتم خلق جاذبية مصطنعة أو مزيفة عن طريق دوران المستعمرة حول نفسها، ولتوضيح مفهوم الجاذبية المصطنعة تذكر عندما كنت في سيارة وقامت بالانعطاف بقوة، فعندها شعرت بجسمك يندفع بعكس اتجاه الانعطاف وهذه هي فكرة الجاذبية المصطنعة في المستعمرات المدارية، عندما تدور الكرة أو الاسطوانة حول نفسها فإن من يعيش على السطح الداخلي سيشعر بالجاذبية تسحبه للخارج والذي سيكون الأسفل بالنسبة له.
المستعمرة ستغلف بطبقة من التراب القمري والمعدن كجزء من سطحها الخارجي وذلك لحمايتها من الاشعة الكونية والنيازك الدقيقة، وسيحتوى سطحها الخارجي كذلك على الواح شمسية لتوليد الطاقة.
بما أن المستعمرة محاطة بفراغ الفضاء فإن الهواء الذي بداخلها سينضغط نحو الخارج وسيؤدي الى ضغط يشبه الضغط الجوي على الارض
الزراعة ستتم في غرف خاصة تعطي للنباتات ثاني اكسيد الكربون وتأخذ الاكسجين ليصل للبشر، وتحاول وكالة ناسا في هذه الايام تمكين رواد الفضاء الذين تطول اقامتهم في محطة الفضاء الدولية من أن يزرعوا بعض الطعام الذي يحتاجونة بدل اخذه معهم، وذلك لتخفيف العبء على الرحلات الفضائية.
لن يتم التخلص من الفضلات ولن يتم رمي أي شيء وإنما إعادة تكرير كل صغيرة وكبيرة لضمان الاكتفاء الذاتي.
من ميزات المستعمرات المدارية امكانيات توسيعها غير محدودة على العكس من الكواكب التي تمتلك مساحة محدودة، نظريا يمكن توسيع مساحة المستعمرة على حسب الحاجة كل ما اضطر سكانها لذلك.
المواد والمعادن التي ستحتاج لبناء المستعمرة لن يتم جلبها من الارض، بل سيتم أخذها من القمر أو المذنبات القريبة ذات الجاذبية الضعيفة وبالتالي ستقل التكلفة لأن الخروج من جاذبية ضعيفة أسهل من الخروج من الجاذبية القوية.
بناء المستعمرة في الفضاء الخارجي سيكون أسهل من بناء المستعمرات على الكواكب وذلك بسبب انعدام الجاذبية، فيسهل تحريك القطع الكبيرة وتركيبها اذا كان لاوزن لها.
يمكننا التحكم بقوة الجاذبية كما نرغب، عن طريق تسريع تدوير الاسطوانة أو الكرة، ستزداد الجاذبية مع ازدياد سرعة الدوران وستقل كلما ابطأت من سرعة الدوران.
لا شك أن بناء مستعمرات فضائية ضخمة كالتي تحدثنا عنها مكلف جدا، بالرغم من أنه ضمن التكنولوجيا والعلوم المتاحة بين أيدينا لكن يبقى علينا حل مشكلة التكلفة.
يمكن استقطاب التمويل من القطاع الخاص والحكومي عن طريق بناء مستعمرات سياحية كبداية تأتي بالارباح، ايضا يمكننا صنع مستعمرات خاصة وظيفتها اخذ الطاقة الشمسية واعادة بثها للارض على شكل موجات ميكروية Microwaves، هذه الانواع من المستعمرات الغير سكنية الخاصة بالاعمال ستشجع الحكومات والشركات الخاصة على الاستثمار في بناء المستعمرات الفضائية.
قد تزداد اعداد تلك المستعمرات مع الايام وقد نمتلك مستعمرات كثيرة متوزعة خلال مجموعتنا الشمسية بدلا من الدوران في مدار الارض فقط، وذلك للاستفادة من الموارد المتوزعة على كواكب وأقمار المجموعة الشمسية.
استعمار القمر
القمر هو أول جسم سماوي زاره الانسان وخطط استعماره ليست جديدة، حتى قبل أول رحلة مأهولة الى سطحه في عام 1969، كانت هناك عدة مشاريع لإنشاء مستعمرة قمرية.
مشروع لونكس Lunex Project
مشروع القوات الجوية الامريكية لانشاء قاعدة جوية في القمر في عام 1968.
مشروع الافق Project Horizon
مشروع اقترحه الجيش الامريكي لإنشاء قاعدة عسكرية ومنشأة للأبحاث على القمر بحلول عام 1967 ويفترض بالقاعدة أن تحتوي على مفاعلين نووين لتوليد الطاقة ومركبات مخصصة للتنقل على سطح القمر.
منذ عام 1972 لم يقم احد برحله مأهولة الى القمر وهذا على عكس المتوقع حينها، حيث ظننا ان انشاء قاعدة قمرية هو الخطوة التالية المباشرة للصعود الى القمر.
القمر لايدعم الحياة وظروف سطحه مشابهة الى حد كبير لظروف الفضاء الخارجي، فباللإضافة لعدم وجود الاكسجين يملك القمر غلافا جويا خفيفا جدا، مما يعني عدم وجود ضغط جوي بالمقدار الكافي ولهذا تستحيل الحياة على سطحه بدون بدلات الفضاء أو داخل محميات توفر الأكسجين والضغط الجوي والحرارة وغير ذلك من متطلبات الحياة.
العيش تحت الارض
احد الخطط الممكنة هي انشاء المستعمرات تحت الارض (ارضية القمر) وذلك لحماية المستعمرين من الاشعة الكونية والنيازك الصغيرة، في هذه الحالة أول الة نرسلها الى القمر ستكون الات للحفر، ستحفر الالات لاجل البناء وستحفر ايضا لاجل استخراج الموارد.
بناء مستعمرات تحت السطح سيحجب نور الشمس وسيطرنا للاستعانة بضوء صناعي يحاكي أشعة الشمس من ناحية الطول الموجي وشدة الاضاءة، او تركب مرايا لجلب أشعة الشمس الى ما تحت السطح، وذلك لأجل الزراعة وحياة الانسان، وهذا قد يزيد الامور تعقيدا وعند بناء بيوت على القمر اخر ما نجتاجه هو المزيد من التعقيدات.
مستعمرات على السطح
هذه الطريقة قد تكون أقل تعقيدا من سابقتها من حيث عدم حاجتنا للحفر ولكننا سنحتاج لحماية المستعمرات من الاشعة الكونية والنيازك الصغيرة، التراب القمري قادر على منع الأشعة الكونية من النفاذ لهذا سيستخدم في بناء جدران المستعمرة وتغلف بطبقة من المعادن كدرع لأجل الحماية من النيازك الدقيقة.
يمكن أيضا خلق مجال مغناطيسي صناعي للحماية من الاشعة الكونية، بعض المناطق في القمر تحتوي على مجال مغناطيسي طبيعي خاص بها فيمكن بناء المستعمرات في تلك المناطق خصوصا في بداية مشرع الاستعمار.
تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الابعاد تعد بمثابة نعمة كبيرة، حيث سيتم طباعة المكونات التي سيحتاجها السكان من خلال الموارد الموجودة في القمر أساسا، تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الابعاد تمكننا من طباعة المعدات التي نحتاجها بتكلفة قليلة والمواد المطبوعة يكون وزنها اقل عادة من المواد المصنعة بالطريقة التقليدية.
تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الابعاد تتيح القدرة على طباعة ادوات مفصلة خصيصا على حسب الاحتياج وهذا سيتيح للافراد المستعمرين طباعة ما يحتاجونه من أدوات ستساعدهم في المعيشة من غير الحاجة لشراءها خصوصا في المراحل الاولى حيث لن يكون هناك عدد كاف من السكان لتشغيل الاسواق والمصانع.
ميزات استعمار القمر
القمر أقرب علينا من الكواكب الاخرى، تستغرق الرحلة المأهولة ثلاثة أيام لتبلغ القمر بينما تستغرق ستة أشهر لبلوغ المريخ، ولاتخفى مالهذا من ميزات بالنسبة لسهولة التـنـقلات، أيضا قرب القمر من الارض سيقلل من تأخير زمن الاتصال حيث تستغرق موجات الراديو ثانية ونصف لتصل من القمر الى الأرض وهذه مدة قليلة اذا ما قورنت بالكواكب الاخرى اذ تستغرق مواجات الراديو 8 دقائق على الاقل لتصل من المريخ للارض، والتأخير بوصول موجات الراديو لا يصعب الاتصال وحسب بل يصعب ايضا التحكم في المركبات عن بعد، عند محاولة التحكم بمركبة في المريخ عليك انتظار وصول الامر الذي اصدرته للمركبة لمدة 8 دقائق وانتظار 8 دقائق اخرى لتصلك المعلومات التي تبين لك ان المركبة استجابت لأوامرك.
يمكن اقامة قاعدة لاطلاق الصواريخ نحو المريخ والكواكب الاخرى، وبما أن جاذبية القمر أقل من جاذبية الارض فعمليات الاطلاق من القمر أكثر سهولة.
في 2009 اكتشف وجود مياه متجمدة في القمر ستستخدم في الشرب واستخراج الاكسجين منها وغير ذلك من الاحتياجات وخصوصا في المراحل الاولى لبناء المستعمرة عند عدم تمكننا من الحصول على الماء بطرق اخرى.
الخطوة الاولى لاستعمار القمر قد تكون بناء مرصد فلكي على الجانب الاخر من القمر، بسبب تساوي سرعة دوران القمر حول نفسه مع سرعة دورانه حول الارض فإن الجانب الاخر من القمر لا يواجه الارض نهائيا، ولهذا فإن بناء مرصد هناك بعيد عن تشوش الغلاف الجوي للارض.
مشاكل استعمار القمر
يستمر الليل في معظم مناطق القمر لمدة اسبوعين وهذا يصعب توليد الطاقة من خلال الالواح الشمسية.
جاذبية القمر تعادل سدس جاذبية الارض، ونقص الجاذبية كما قلنا يؤدي لمشاكل صحية لكن الدراسات التي تمت الى الان تتحدث عن ظروف انعدام الجاذبية تماما، أما الجاذبية الشبيهة بجاذبية القمر فلا يعرف تأثيرها بالضبط، لكن ما نعرفه هو أن الشخص الذي يولد على القمر لن يتمكن من زيارة الارض عندما يكبر لأن جسمه سينمو بحسب جاذبية القمر وسيحس بجاذبية الارض كما نحس نحن بكوكب جاذبية ستة أضعاف جاذبية الارض، تخيل أن يتضاعف وزنك ستة أضعاف، هذا معنى أن يزور أطفال القمر الارض.
الطاقة
لن يتم استخدام الوقود الاحفوري كالنفط أو الفحم الحجري بسبب صعوبة نقل من الارض الى القمر، البديل سيكون الطاقة النووية أو الطاقة الشمسية.
بناء مفاعل نووي بقوة 40 كيلو واط من الكهرباء كاف لـتامين احتياج 8 منازل وسيتم دفنه في الارض لعزله عن الظروف الخارجية، قد يستخدم هذا اذا لم تكف الالواح الشمسية.
الطاقة الشمسية ستستخدم أيضا لكن المشكلة أن ليل القمر يمتد لأسبوعين، ولحل هذه المشكلة يمكن وضع الألواح الشمسية في القطبين الجنوبي والشمالي للقمر حيث النهار الدائم أو يمكن وضع الألواح الشمسية في أكثر من موضع لتستمر التغذية طوال الوقت، يمكن أيضا وضع الالواح الشمسية في مدارات حول القمر وارسال الطاقة على شكل اشعاع ميكروي نحو القمر.
التنقلات
التنقلات بين المستعمرات القمرية يمكن أن يتم عن طريق مركبات جوالة
وقد استخدمت فعلا في رحلات ابولو ولازالت مثيلاتها تستخدم في المريخ ولكن يتم التحكم بها عن بعد، واحدة من الدراسة التي قامت بها ناسا خلصت الى صنع مركبة تحمل طاقما من شخصين بمدى يقارب 400 كيلومتر.
للمسافات الطويلة يدرس العلماء بناء سكة حديد تقليدية أو سكة حديد مغناطيسية، وبسبب ضعف الجاذبية والغلاف الجوي الخفيف ستصل سرعة القطار القمري الى سرعة الطائرات التي تستخدم على كوكب الارض، فيبدو أن ضعف الجاذبية القمرية لها منافعها ومضارها.
بالنسبة الى الاراضي الوعرة فيمكن استخدام مركبات تحوم بمحركات صاروخية.
السفر خارج القمر سيتم باستخدام صواريخ تقليدية وسيحتاج لوقود أقل بسبب الجاذبية الضعيفة، وهناك تكنولوجيا مدافع مغناطيسية يمكنها أن تطلق المقذوفات لاضعاف سرعة الصوت، وهذه التكنولوجيا لاتزال في مراحلها المبدأية لكن في حال نجاحها فيمكن استخدامها لاطلاق المركبات من القمر.
يمكن استغلال جاذبية القمر الضعيفة لاطلاق الاقمار الصناعية التي ستدور حول الارض بدلا من اطلاقها من الارض، ومن شأن ذلك أن يقلل تكلفة الاطلاق.
موضع المستعمرة
صحيح ان المستعمرة يمكن بناءها على أي مكان في القمر لكن بعض الاماكن لها الأفضلية، وهذا يكون بحسب المهمة المراد انجازها اذا كانت المستعمرة بهدف انجاز مهمة غير سكنية، وحتى بالنسبة للمستعمرات السكنية علينا التفكير بالاستيطان بالقرب من الموارد الطبيعية.
في القطب الشمالي للقمر ثمة ادلة تشير الى وجود مياه هناك هذا بالاضافة، كما قلنا، الى وجود مجال مغناطيسي طبيعي في أقطاب القمر توفر الحماية من الاشعة الكونية.
الغلاف الجوي عند خط الاستواء القمري يحتوي على غاز الهيليوم3 وهو غاز نادر جدا على الارض، وسيستخدم في الابحاث على تكنولوجيا الاندماج النووي.
الجانب البعيد من القمر، كما سبق أن ذكرنا، لا يواجه الارض نهائيا وبهذا فهو مثالي لبناء تلسكوبات راديوية حيث أنها لن تتأثر بالبث الراديوي للارض، وستكون مناسبة أيضا لبناء تلسكوبات بصرية.
كبداية يمكن تشجيع استعمار القمر عبر بناء مستعمرات غير سكنية مثل مستعمرات متخصصة في التنقيب واستخراج الموارد، أو انشاء محطات للبحث العلمي وانشاء التلسكوبات على الجانب الاخر من القمر، يمكن أيضا انشاء مستعمرات سياحية لتشجيع الاستثمار من القطاع الخاص.
تخطط ناسا لانشاء محطة صناعية على القمر ستكون مهمتها استخراج الماء المتجمد وفصله الى اكسجين وهيدروجين ثم وضعهما داخل خزانات ورمي الخزانات في مدار القمر، السفن الفضائية التي تنطلق من الارض للفضاء البعيد يمكنها التزود بالهيدروجين والاكسجين من مدار القمر بدل أخذها من الارض وهذا من شأنه أن يقلل تكلفة الذهاب للمريخ بمقدار عشرة مليار دولار سنويا.
بناء على هذا يمكن لمستعمرة قمرية أن تكون الطريق لمستعمرة مريخية أو مستعمرات على كواكب اخرى أبعد وهذا يشجع على استعمار القمر.
استعمار المريخ
بالرغم من أن حجم المريخ نصف حجم الارض الا أنه اكثر كواكب مجموعتنا الشمسية شبها بالأرض لكن هذا لا يعني صلاحيته للحياة، فلا وجود للاكسجين في هواء المريخ.
اليوم المريخي يساوي 24 ساعة و39 دقيقة وهو بهذا قريب من اليوم الارضي.
سنة المريخ تساوي 34 شهرا ارضيا وهي قريبة من السنة الارضية إذا ما قورن بالكواكب الاخرى.
جاذبية المريخ تعادل تقريبا ثلث جاذبية الارض الاضرار الصحية لتلك الجاذبية غير معروفة وقد تكون بلا أضرار على أن الأطفال الذين يولدون ويكبرون في المريخ لن يكون بوسعهم زيارة الارض فيما بعد لأن جاذبية الارض ستكون أكثر من احتمالهم.
كيفية السكن في المريخ
يمكننا العيش على المريخ داخل مستعمرات خاصة كما الحال في استعمار القمر لكن بسبب حجم المريخ ومشابهته للارض فإن امامنا فرصة للاستغناء عن ذلك النوع من المستعمرات والعيش في المريخ كما نعيش على الارض (في الهواء الطلق)، يلزمنا في هذه الحالة أن نعيد تأهيل المريخ عن طريق جعل مناخه يشبه مناخ الارض الى الحد الذي يمكننا من العيش على سطح بدون بدلات الفضاء أو المستعمرات الخاصة.
وقد اقترح الباحثون والعلماء من مختلف وكالات الفضاء والشركات طرقا عديدة لاعادة تأهيل المريخ سنذكر أهمها:
غازات الدفيئة
غازات الدفيئة مثل ثاني اكسيد الكربون هي نفسها تلك الغازات التي تتسبب باحترار الارض ويحذر العلماء منها، الا أن هذه الغازات الخطيرة على الارض قد تكون المنقذ في المريخ، بما أنها تسبب رفع درجة حرارة الارض فيمكنها رفع درجة حرارة المريخ.
تتلخص الخطة ببناء ما يشبه المصانع التي لا وظيفة لها الا حرق الوقود وانتاج غاز ثاني اكسيد الكربون لاطلاقة في جو المريخ، وهذا المصانع كما نسميها سيبنيها المستعمرون الاوائل الذين سيسكنون في المريخ، بمعنى أن أول السكان سعيشون داخل مستعمرات محمية ومغلقة معزولين عن هواء المريخ، وسيستمرون بتشغيل تلك المصانع وعندما يكتمل تحول المريخ سيتمكنون من العيش في الخارج.
وهذه الطريقة تحتوي على مشكلتين الأولى هي صعوبة نقل الوقود الاحفوري الى المريخ، تذكر اننا بحاجة الى كميات كبيرة اذا أردنا تسخين الكوكب بأكمله، والمشكلة الثانية أن هذه الطريقة ستستغرق الاف السنين لتحويل المريخ لكوكب صالح للحياة.
لكن لا زال هناك أمل، اذا لم نعتمد على غاز ثاني اكسيد الكربون واعتمدنا على غازات أكثر كفاءة في حبس الحرارة، يمكن الاعتماد على غازي الفلور والكبريت بدلا من ثاني أكسيد الكربون حيث أن لها أضعاف التأثير بالاف المرات، والاهم من هذا إمكانية انتاج تلك الغازات من الموارد الطبيعية الموجودة في المريخ أساسا.
إن مجرد رفع حرارة المريخ بضع درجات كفيل باطلاق تفاعل متسلسل، ازديلد درجة الحرارة تذيب الجليد لتطلق ثاني اكسيد الكربون والذي بدوره سيرفع الحرارة أكثر ويذيب المزيد من الجليد ويطلق المزيد من ثاني اكسيد الكربون وهكذا في سلسلة من التفاعلات حتى تصل درجة حرارة المريخ الى الحد الذي يسمح لنا بالعيش فيه.
يمكننا زيادة كثافة الغلاف الجوي للمريخ عن طريق ضربة بنيازك تحمل الامونيا NH3 وذلك لإمداده بغاز النيتروجين، وكثافة الغلاف الجوي ضرورية لزيادة الضغط الجوي.
يوجد من العلماء من اقترح وضع ما يشبه المرايا الكبيرة لتسليط أشعة الشمس على قطبي المريخ واذابة الجليد الذي بهما لاطلاق غاز ثاني اكسيد الكربون لتدفئة الجو، لكن يبقى عندنا مشكلة الأوزون وهو غاز يحمي من الاشعة فوق البنفسجية، واحدى الحلول المقترحة استخدام بكتيريا Cyanobacteria (الزراقم) وهي تقوم بعملية التمثيل الضوئي لانتاج الاكسجين، الذي سيصبح اخيرا أوزون.
الخطوة الاخيرة لاعادة تأهيل المريخ هي منحه المقدرة على الاحتفاظ بغلافه الجوي الجديد حتى لا تجرده الرياح الشمسية وهذه أكبر الصعوبات التي نواجهها لان المريخ كما قلنا ليس لديه مجال مغناطيسي فهو غير محمي من الرياح الشمسية، والسبب أن لب المريخ يتكون من المعادن الصلبة وليس السائلة، لو كان لبه سائلا لكانت حركة تلك المعادن المنصهرة كفيلة بتشكيل مجال مغناطيسي كالذي تمتلكه الارض، والمشكلة ببساطة أننا لانعرف كيف نذيب لب المريخ.
بعد مئة عام من اطلاق غازات الدفيئة في جو المريخ سيتمكن البشر من المشي على سطح المريخ اذا لبسو ااقنعة اكسجين وبزات خفيفة حيث ان الضغط الجوي سيكون قويا بما يكفي ليزيل الحاجة للبزات الثقيلة التي تستخدم الان في الفضاء الخارجي.
في ذلك الوقت قد نتمكن من زراعة نباتات على سطح المريخ تساعد في المزيد من التغييرات على غلافه الجوي وبالتالي نمضي قدما في عملية اعادة تأهيل المريخ.
هناك ايضا امكانية تعديل البشر القاطنين في المريخ جينيا بحيث يمكنهم العيش في المريخ باستخدام معدات أقل، لا شك ان تكنولوجيا هندسة الجينات ستكون في المستقبل القريب أكثر تطورا مما هي عليه الان وقد نتمكن من تعديل البشر بحيث يمكنهم احتمال الاشعة الفوق بنفسجية من غير الحاجة لغلاف جوي أو بزات للحماية، أن أول من تعدل جيناتهم ليعيشوا في المريخ بدون بزات واقية سيكونون أول المريخيين حقا.
قنابل نووية
واحدة من الطرق التي اقترحها الملياردير الامريكي ايلون موسك (مؤسس شركة سبيس إكس) هي ضرب قطبي المريخ الشمالي والجنوبي بالقنابل النووية، من شأن هذا ان يرفع من حرارة الغلاف الجوي البارد للمريخ ويطلق الماء وغاز ثاني اكسيد الكربون المتجمد الى الغلاف الجوي وهذه من غازات الدفيئة وستسخن الكوكب الكوكب.
ولا شك أن ضرب المريخ بالنووي سيملأه بالاشعاعات التي ستعيق استعماره وحتى استكشافه ولكن ليست هذه الصعوبة الوحيدة في هذه الطريقة، فاستخدام الاسلحة النووية لن يفلح بجعل المريخ صالحا للحياة، تراب المريخ يحتوى على بيركلورات الكالسيوم وهي مادة خطيرة قادرة على التسبب بالحروق للجلد ولايمكن أن تزيلها القنابل النووية التي سنفجرها.
الخطط الحالية لاستعمار المريخ
سبيس اكس SpaceX
تأسست هذه الشركة في عام 2002 ومؤسسها هو كما قلنا ايلون موسك وهو ايضا مؤسس شركة تسلاموتور وموقع باي بال، والهدف الرئيسي من تأسيسها هو استعمار المريخ، ولانجاح هذا المشروع تحاول الشركة ايجاد حلول لتخفيض تكلفة السفر للفضاء وبالفعل قد نجحت في اطلاق رحلة غير مأهولة للفضاء بتكلفة لاتزيد عن 8 مليون دولار وهي أقل من ثلث التكلفة المعتادة لهكذا رحلات، وهذا دفع وكالة ناسا لتوقيع عقد مع الشركة بقيمة 1.6 مليار دولار.
وتتلخص طريقة هذه الشركة في العمل ببناء جميع اجزاء الصاروخ الفضائي داخل معامل الشركة وذلك لتقليل التكلفة، أيضا مؤسس الشركة يديرها بمبدأ الادارة الدقيقة Micromanagement وهذه الميزة تفقدها الشركات الاخرى العاملة بنفس المجال، والادارة الدقيقة هي ان يشغل رئيس المؤسسة نفسه بكل صغيرة وكبيرة وتجده يعرف جميع المهندسين والعاملين كما لو كانو زملائه المقربين، وهذا في الحقيقة صعب جدا، ولكن ايلون موسك واضح انه شخص غير عادي حيث يعمل في شركة سبيس اكس أكثر من مئة موظف يعرف موسك كل شيء عن كل واحد منهم .
في سبتمبر 2008 تمكنت سبيس اكس من أول عملية إطلاق ناجحة لحمولة تجريبية الى مدار الارض.
وقد نجحت أيضا في اطلاق صورايخ قابلة لإعادة الاستخدام بمعنى انها تعود للارض ليعاد استخدامها بعد اعادة ملئها بالوقود اللازم للرحلة التالية، وهذا من شأنه أن يقلل التكلفة أكثر، فاذا ما استخدمت هذه الطريقة لارسال رواد الفضاء لمحطة الفضاء الدولية فأنها ستقلل التكلفة مئة ضعف، عند استخدام المكوك الفضائي فإن ارسال اربعة رواد فضاء لمحطة الفضاء الدولية يكلف 200 مليون دولار حيث أن ارسال البشر اكثر كلفة من ارسال الات وحدها بسبب احتياجهم للأكسجين والماء والطعام، لكن عند استخدام صورايخ قابلة لاعادة الاستخدام فإن التكلفة قد تنخفض الى مليوني دولار فقط، لأننا لن نحتاج الى اعادة بناء مركبة فضائية جديدة في كل رحلة.
هدف الشركة النهائي هو جعل تكلفة الصعود للمريخ حوالي 500 ألف دولار (نصف مليون) للشخص الواحد بحيث أن من يتمكن من تأمين هذا المبلغ فإن بوسعه ترك الارض والرحيل للمريخ، ولانشاء مستعمرة على سطح المريخ فإن الشركة بحاجة لأن تقنع مليون انسان للذهاب.
الخطة هي ارسال مركبة غير مأهولة الى سطح المريخ واعادتها الى الارض قبل عام 2020 ثم ارسال أول انسان للمريخ في عام 2025.
أول مجموعة مستعمرين ستصل للمريخ سيكون عليها البدء في بناء الحضارة، سيكون عليهم وضع الأسس التي ستبنى عليها الحضارة المريخية ثم يمكنهم العودة للارض، ليذهب غيرهم برحلات جديدة والقيام بالمزيد من البناء، وستستمر الرحلات بهذه الطريقة حتى اذا جاء عام 2040 سيكون هنالك نواة مستعمرة مريخية ستنمو مع الوقت بالمزيد من الهجرات والزيادة الطبيعية للسكان ليصل عددهم الى مليون انسان وعندها يكون هدف سبيس اكس قد تحقق بانشاء مستعمرة على المريخ مكتفية ذاتيا.
مارس ون
مارس ون Mars One منظمة أسسها رجل الاعمال الهولندي باس لانزدورب Bas Lansdorp واعلن عنها في عام 2012، وبالرغم من اشتراكها مع سبيس اكس في هدف استعمار المريخ الا أن هذه المؤسسة تنهج منهجا مختلفا حيث انها تخطط لارسال رحلة واحدة تحمل كل البشر الراغبين بالذهاب الى المريخ في رحلة بدون عودة، هذا لا يعني مهمة انتحارية بل المقصود هو انهم سيؤسسون عند وصولهم مستعمرة دائمة من غير احتياج الرجوع الى الارض وسيكملون حياتهم وحياة ابنائهم من بعدهم على المريخ، والهدف من هذه الطريقة هو تقليل التكلفة حيث أننا لسنا مضطرين الى دفع تكاليف رحلات كثيرة كما في حالة سبيس إكس الا انني شخصيا اراها صعبة النجاح لأنها مخاطرة أن ترسل كل المتطوعين في محاولة واحدة قد لاتنجح، يذكر أيضا أن مؤسسة مارس ون تخطط لاستخدام معدات صنعتها شركة سبيس اكس.
النجاح في استمار المريخ سيعلمنا كيفية استعمار الكواكب وسيفتح أمامنا المجال لتوسيع عمراننا لما بعد المريخ.
ما بعد المريخ
استعمار الفضاء لن يقتصر على المريخ أو حتى على مجموعتنا الشمسية، فلا مانع من وصولنا الى كواكب تدور حول نجوم اخرى غير الشمس للسكن فيها، والوصول لتلك الكواكب لا شك أنه أصعب من الوصول للمريخ الا أنها قد تكون اسهل من ناحية استعمارها.
اكتشف الفلكيون ما بين عام 2011 الى 2016 أكثر من الفي كوكب خارج نظامنا الشمسي بعضها كواكب شبيهة بالارض، الكواكب الشبيهة بالارض هي كواكب تبعد عن نجومها بقدر ما تبعد الارض عن شمسنا فلن تكون حارة جدا ولا باردة جدا، وحجم تلك الكواكب قريب من حجم الارض هذا يعني أنها ان كانت كواكب صخرية ( صخرية كالارض وليست غازية كالمشتري) فإن جاذبيتها لن تختلف كثيرا عن جاذبية الارض، ولا يعرف الكثير عن تلك الكواكب بسبب بعدها الشديد عنا، الا أنها قد تكون موطنا لنا في المستقبل البعيد.
تحدثنا عن مستعمرات مدارية، وقد تحمل المستعمرات المدارية الحل بالنسبة لمشكلة السفر للنجوم البعيدة، اذا جعلنا المستعمرة بأسرها تنطلق في رحلة الى نجم بعيد فلن يهمنا زمن الوصول حيث أن الحياة داخل المستعمرة ستستمر بأي حال.
استعمار الفضاء قد يكون الان خارج حدود قدراتنا من ناحية التكلفة وعدد البشر الذين بوسعهم المغامرة والعيش في الفضاء، فهو مشروع للمستقبل البعيد، لكنه لن يتحقق اذا لم نعمل له من الان، عبر المزيد من التعلم ستتطور التكنولوجيا بما فيه الكفاية لتتيح لنا استعمار الفضاء.
وكما ذكرنا سابقا فإن مجرد محاولتنا لاستعمار الفضاء كفيل بتعليمنا المزيد عن الكون وتلك المعرفة لاشك أنها ستنفعنا لحل المشكلات التي نواجهها على الارض، مثلا اكتشافنا لطريقة لصناعة محركات صاروخية سريعة يمكن ان يستخدم لتطوير الطائرات التي نستخدمها على كوكب الارض.
هناك من يعترض على تكاليف محاولاتنا لغزو واستعمار الفضاء بدعوى أن على الارض ما يكفينا من المشكلات لنستثمر أموالنا واوقاتنا في محاولة حلها، ولكن على الارض دائما ستكون هناك مشاكل تتطلب حلا سواء استثمرنا باستعمار الفضاء ام لا، وكما قلنا فإن محاولتنا لاستعمار الفضاء ستستاعدنا لحل المشكلات على الارض وليس فقط من ناحية تكنولوجية بل ومن ناحية نفسية أيضا، إن قدرتنا كبشر على فعل ما يبدو مستحيلا له أشد التأثير على الطريقة التي نرى بها علاقتنا مع بعضنا ومع الكون، وصعود الانسان الى القمر لا شك أنه قد دفعنا للايمان بأهمية العلم، واستعمار الفضاء لن يمنحنا المزيد من الثقة بالعلم وحسب بل ثقة بانفسنا كبشر اذا توحدت جهودنا معا.
بالنسبة الى السياسة والدول فربما تكون المستعمرات الفضائية دولا جديدة مستقلة أو قد تكون ولايات تابعة للدول التي ارسلتها، وربما بعد مئة عام من الان سيكون مفهوم الدول قد صار قديما وتكون كل البشرية دولة واحد وشعب واحد
في الختام فإن استعمار الفضاء مهمة ليست بالسهلة وقد تكون أكبر المشاريع التي اضطلعنا بها كبشر، ورغم هذا فإننا مستعدون لخوضها فمنذ نشأتنا ونحن نغامر ونحاول اكتشاف ما يختبيء لنا خلف المجهول، والرغبة في الاكتشاف والفضول الجامح هو ما أوصلنا الى ما نحن عليه الان من السيادة على هذا الكوكب والتقدم التكنولوجي الحاصل، ومن يدري ربما يأتي اليوم الذي تكون الارض فيه بلا سكان وتصبح أشبه بالمتحف الذي يقصده السياح لرؤية كيف حاول أجداهم الاوائل (نحن) غزو الفضاء واستعماره.
اذا اعجبك الموضوع فشاركه مع من تعرف من محبي العلوم ولا تتردد اذا كان عندك أي سؤال.
مراجع وروابط خارجية:
http://www.christiantoday.com/article/cost.of.sending.people.back.to.the.moon.90.percent.cheaper.now.says.nasa.study/59702.htm
http://www.space.com/18853-spacex.html
http://www.space.com/31985-space-settlements-require-input-from-everyone.html
http://history.nasa.gov/Apollomon/Apollo.html
http://www.space.com/17556-giant-nasa-rocket-space-launch-cost.html
http://www.space.com/11358-nasa-space-shuttle-program-cost-30-years.html
http://space.alglobus.net/Basics/what.html
http://settlement.arc.nasa.gov/Basics/wwwwh.html
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.