استعمار الفضاء



Spacecolonization

واحدة من الروايات المفضلة عندي هي رواية "موعد مع راما" Rendezvous with Rama وتتحدث عن حياة البشر في المستقبل حيث تم استعمار كواكب المجموعة الشمسية وصار كل كوكب دولة مستقلة، لكن هل يمكن أن يتحقق هذا في الواقع وأن يتم استعمار كواكب اخرى والعيش على غير هذه الارض؟

استعمار الفضاء والسكن فيه ليس بالفكرة الجديدة كما سيتبين معنا، الا أن الفكرة لقيت رواجا وزخما عند وصول أول انسان للقمر، حيث صار واضحا حينها أن الفضاء ليس ابعد من قدرتنا، وأن قوة العلم الذي اخذتنا الى القمر بوسعها جعلنا نسكن فيه، باختصار صار الفضاء جزءا من الثقافة الشعبية وليس حكرا على العلماء المتخصصين.

بما أن استعمار الفضاء هو أكبر المشاريع التي سنقوم بها، فما هي الفائدة التي سنجنيها من دفع المليارات والاف ساعات العمل، لمجرد أننا نريد السكن خارج الارض؟

والحقيقة أن استعمار الفضاء ضرورة وليس رفاهية فالارض لن تتحمل التزايد المستمر في أعداد السكان، يعيش على الارض الان مايقارب 7 مليارات انسان، يستهلكون الاراضي الزراعية و موارد المياه والموارد الطبيعية، ومع التزايد في اعداد السكان لن تكفي تلك الموارد حاجتنا، ويقدر العلماء ان الارض ليس بوسعها احتمال أكثر من 10 مليارات انسان وتقدر الامم المتحدة أننا سنصل لذلك الرقم بحلول عام 2100، فبالتالي استعمار الفضاء ليس الا توسع طبيعي للسكان تماما كما يتم توسيع المدن وبناء مدن جديدة على الارض لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان.



تجنب الانقراض


يقول عالم الفلك كارل سيجن: الانقراض هو القاعدة والبقاء هو الاستثناء، ومعنى الكلام أن الكائنات التي انقرضت أكثر بكثير من الانواع التي تعيش الان، والانسان ليس محميا من الانقراض، وقد تبدو فكرة انقراض البشر فكرة غريبة فلسنا كالكائنات الاخرى حيث أننا نمتلك التكنولوجيا التي تجعلنا في أعلى هرم القوة، الا أن هذه التكنولوجيا قد تتسبب في اهلاكنا، وواحدة من المخاطر المحتملة هي قيام حرب نووية، اذ يوجد على الارض الان أكثر من 15 الف راس نووي وهذه كافية للتسبب بمقتل معظم البشر إن لم يكن جميعهم.

هناك امكانيات أخرى لفناء البشر غير الاسلحة النووية مثل اصطدام مذنب بالارض، أو انتشار وباء لايمكننا ردعه، ومهما كان السبب الذي سيؤدي للانقراض بامكاننا تجنب الانقراض حتى لو لم نتجنب سبب الانقراض، فإذا اصطدم نيزك بالارض فسينجو سكان المستعمرات الاخرى ويبقى الجنس البشري، أو يمكن لسكان الارض اللجوء كنازحين في حالة الحرب النووية.



مصالح أخرى

التعلم: إن مجرد محاولتنا للصعود للقمر كفيل بتعليمنا ما نجهله، علينا أن نتعلم كيفية بناء مركبات سريعة هذا سيطرنا لاكتشاف قوانين فيزياء جديدة، سنضطر ايضا للتعلم عن تركيبة القمر والكواكب الاخرى، والظروف التي بوسع الانسان أن يبقى خلالها حيا هذا سيطرنا للمزيد من الدراسات حول جسم الانسان، وغير ذلك مما يجدر بنا تعلمه أثناء محاولتنا لاستعمار الفضاء.

طبعا استعمار الفضاء لن يكون فقط وسيلة للبقاء والتعلم فالحياة اكثر من مجرد حل للمشكلات، ان الشغف الذي يصيبنا لغزو الفضاء لهو سبب كاف بالنسبة لنا، فحب الاستكشاف جزء من عقليتنا كبشر ولم يدخر الانسان قديما جهدا في بناء السفن واستكشاف القارات الجديدة، وعندما حاول الانسان استكشاف القارات والبحار، لم يخطر ببالهم الفائدة من استكشاف تلك الارضي والقارات الجديدة وانما دفعهم الفضول وحده.



كيف سنذهب

أن أول سؤال يخطر ببالنا عند الحديث عن استعمار الفضاء هو كيف نصل الى هناك، وليس مجرد الوصول فقط بل نحن نتحدث عن نقل عدد كبير من السكان بما يكفي لانشاء مستعمرة دائمة، والمقصود بالمستعمرة الدائمة هي المستعمرة التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي ويستطيع سكانها العيش بدون الاعتماد على الارض، بمعنى أن يمتلك سكان المستعمرة مقدرة صنع غذائهم الخاص بهم وملابسهم وكل احتياجاتهم، فكر كم شخصا يلزم لتحضير طبق طعام واحد، بدءا من المياه التي تستخرج من باطن الارض وعمال احضار المياه، ولا تنسى كاس الماء الزجاجي نفسه كيف استخرجت المواد الاولية وكيف تمت صناعتة، ويقدر عدد البشر اللازمين لبناء مستعمرة مكتفية ذاتيا بمليون إنسان وليس هذا فقط بل نحتاج الى نقل الى المواد الاولية لبناء المستعمرة، والتكنولوجيا التي بحوزتنا الان بوسعها نقل المعدات والبشر الى الفضاء ولكن المشكلة تكمن بالتكلفة العالية لارسال ما يكفي من بشر ومعدات لبناء مستعمرة فضائية.

حتى نأخذ فكرة عن حجم التكلفة المطلوبة لارسال مليون انسان مع كامل عتادهم الى الفضاء علينا أن نعرف أن تكلفة رحلات ابولو الى القمر ما بين عامي 1969 و 1972 كانت أكثر من 25 مليار دولار وهو ما يعادل 125 مليار في هذا الوقت، وتم ارسال 12 شخص في 6 رحلات، أما الرحلات المأهولة الى محطة الفضاء الدولية فـتكلف كل رحلة مليار ونصف المليار دولار.

ومن الواضح أن علينا أيجاد طريقة لتخفيف عبء التكلفة الى الحد الذي يتمكن فيه اي شخص من السفر للفضاء اذا ما أردنا انشاء مستعمرات فضائية تكون بمثابة امتداد لهذه الارض.

والحقيقة أن هناك سعي حثيث من بعض الشركات الخاصة بالاضافة الى وكالات الفضاء الحكومية لجعل تكلفة السفر الى الفضاء معقولة، شركة سبيس اكس SpaceX شركة متخصصة في صناعة الصواريخ الفضائية وتقوم، على العكس من الشركات الاخرى، بصناعة جميع أجزاء الصروخ في معاملها بدلا من شراء أجزاءه وتجميعها، وبهذه الطريقة صارت الرحلة غير المأهولة لمدار الارض تكلف 8 مليون دولار، ولازال هذا رقما بعيدا عن متناول عامة الناس لكنه يعتبر انجازا اذا ما قورن بتكلفة الرحلة بالصورايخ التقليدية وهي 50 مليون.

وكالة ناسا وجدت طريفة لتكلف الرحلة المأهولة للقمر 10 مليار فقط وهذا عشر المبلغ الذي انفقته ناسا على مشروع أبولو، وذلك عبر الاستعانة بوكالة الفضاء الاوروبية واستخدام معدات من شركة سبيس اكس بالاضافة الى اخذ الوقود من القمر، بما أن القمر يحتوي على الماء المتجمد الذي يمكن فصله الى اكسجين وهيدروجين فسيستخدم الهيدروحين سيعطي القوة الدافعة للمحرك بينما سيستخدم الاكسجين في مرحلة الاحتراق وما يتبقى منه يستخدم للتنفس.



ظروف العيش

عندما نتحدث عن العيش خارج الارض فنحن في الواقع نتحدث عن العيش في بيئة غير صالحة لاستضافة الحياة، واستعمارها يعني جعلها صالحة للحياة، عبر توفير ظروف مشابهة لظروف الارض.

الأكسجين يتوافر في الغلاف الجوي للأرض ممزوجا بنسبة معينة مع غازات اخرى ووجود هذه التركيبة كما هي ضروري داخل المستعمرات الفضائية اذا لم نرد الاختناق والموت.

لا يكفي توفر الاكسجين للتنفس بل ينبغي ايضا توفر الضغط الجوي بالمقدار المناسب، على الارض الغلاف الجوي كفيل بتوفير الضغط الجوي لنا، إن انعدام الضغط الجوي كما في الفضاء الخارجي أو نقصانه كما في المريخ يجعل السوائل تتسرب خارج الجسم عن طريق الجلد، ويؤدي هذا للموت خلال دقائق معدودة.

في الفضاء الخارجي درجة الحرارة تساوي 271 درجة مئوية تحت الصفر، وهذا أقل بكثير من الحد الادنى للعيش أما على الكواكب فيختلف الوضح بحسب قربه من الشمس وبحسب الجهة المواجهة للشمس، في القمر الجهة المواجهة للشمس درجة حرارتها 123 مئوية بينما الجهة الاخرى الغير مقابلة للشمس تنخفض حرارتها الى 153 مئوية تحت الصفر.

ليس بعد الكوكب عن الشمس وحده يقرر درجة حرارته بل الغلاف الجوي ايضا، على الارض يعمل الغلاف الجوي على حفظ الحرارة اثناء الليل ومنع الشمس من تسخين الارض بشدة اثناء النهار، ايضا يحتوي الغلاف الجوي الارضي على غاز الاوزون الذي يحمي الارض من الاشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس.

النيازك الدقيقة Micrometeoroids تشكل خطرا، بالرغم من أن وزن النيزك الواحد لا يتجاوز الغرام، الا أن خطورتها تكمن في سرعتها الكبيرة، تحترق النيازك الدقيقة عندما تحتك بهواء الغلاف الجوي وهكذا يحمينا الغلاف الجوي من ضررها، وتشكل النيازك الدقيقة خطرا على الرحلات الفضائية حيث بوسعها احداث ثقوب في سطح المركبات وإعطابها.

الكون مكان خطير فهناك النجوم التي تنفجر والكوازارت وغير ذلك من الظواهر التي ترسل سيلا من الاشعاع يسمى عادة بالاشعة الكونية، والاشعة الكونية خطيرة على الكائنات الحية من حيث قدرتها على تدمر الـDNA الموجود داخل الخلايا الحية والتسبب بالسرطان، بالنسبة للأرض المجال المغناطيسي الأرضي يحمي من تلك الاشعة.

الجاذبية لها أهمية اكبر مما تبدو عليه فهي تمسك بالغلاف الجوي حتى لا يتبعثر في الفضاء، الجاذبية أيضا لها دور في حفظ صحة الانسان وتحديدا الهيكل العظمي، رواد الفضاء الذين يقضون وقتا طويلا في حالة انعدام الجاذبية تصيبهم أمراض مثل هشاشة العظام، والسبب أن عظام الانسان مصممة لجاذبية كجاذبية الارض وانعدام الجاذبية بجعل الجسم يستغني عن كثافة العظام ليبدأ العظم بفقد قوته تدريجيا، رواد الفضاء يصابون ايضا بحالات من تجمع السوائل في الوجه بسبب عدم وجود جاذبية لتبقي السوائل في الوضع الطبيعي.

هذه المخاطر الصحية دفعت وكالة ناسا الى اجبار رود الفضاء على اداء التمارين البدنية الشاقة من أجل ضمان استمرار الضغط على العظام للتقليل من حدة هذه المشكلات الصحية.

مهما كان نوع المستعمرة الفضائية التي سنبنيها علينا توفير متطلبات الحياة التي ذكرناها بطريقة أو بأخرى مستفيدين مما نعرف حول الفضاء وظروف الكواكب والتقنيات التي بحوزتنا.

في هذا المقال سنذكر ثلاثة أنواع للمستعمرات الفضائية
المستعمرات المدارية
المستعمرات القمرية
المستعمرات المريخية



1. استعمار الفضاء

2. مستعمرات مدارية

3. استعمار القمر

4. استعمار المريخ.

5. ما بعد المريخ.
Share on Google Plus
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.