لماذا نحب العنف








واحدة من الاحصائيات التي أجريت في عام 2013(1) تشير الى أن مستويات العنف في الاعمال السينمائية الموجهة للمراهقين قد تضاعفت 3 مرات منذ العام 1985، بينما ازداد مستوى العنف في الافلام السينمائية ككل الى ضعفين منذ العام 1950.

لا عجب إذا أن أفلامنا المفضلة تصنف إما في خانة أفلام الرعب أو أفلام الاكشن (وهذه هي التسميات الشائعة)، إن فيلم سينمائي مثل saw وصلت عائداته الى مايقارب المليار دولار حول العالم وهو من أكثر الافلام ربحا حيث أن ميزانيته لم تتجاوز 70 مليون دولار، ولايخفى على أحد مشاهد الاعدام أو الاغتيال تلك التي كانت ولاتزال تنتشر ويتبادلها الناس بكثرة، حتى من قبل ازدهار شبكة الانترنت.
لكن لم عندنا كل هذا الهوس بالعنف ، أليست رغبتنا برؤية المشاهد المخيفة والعنيفة شيء أمر انساني ومؤشر على نوع من السلوك البدائي أو الهمجي؟ ليس بالضرورة

الحقيقة أن هناك عدة أسباب عميقة تكمن خلف هذه الرغبة بمشاهدة العنف في التلفاز والانترنت وانجذابنا المريب له ، وسنرى أهم تلك الاسباب والدوافع التي وصل اليها العلم



الاستعداد للمخاطر

واحد من الاسباب التي تجعلنا نهوى رؤية المشاهد المخيفة والعنيفة هو الدوبامين، والدوبامين ناقل عصبي في الدماغ مهمته أن يشعر الانسان بالسعادة عند القيام بعمل ضروري للبقاء حيا مثل الأكل أو التمارين الرياضية، وهذا بالتالي يشجعنا لعمل المزيد من التمارين والبحث عن الطعام، فيشتهر الدوبامين على أساس أنه نظام إعطاء المكافآت، لكن في الحقيقة فإن دور الدوبامين يتجاوز مجرد اشعارنا بالسعادة، تكمن أهمية الدوبامين في مقدرته على تحديد الاشياء المهمة التي يجب أن نصب اهتمامنا عليها حتى لو لم تكن تلك الاشياء تسعدنا، فهو يعمل كما يعمل الادمان ولكنه يجذبنا الى الافعال التي تبدو ضرورية لنا لنبقى أحياء، ومن ضمن تلك الامور التي يجذبنا الدوبامين اليها هي مواجهة الاخطار، عندما يهاجمك أحد أو توشك سيارة على صدمك أو في أي حالة من حالات الخطر فإن الدوبامين وغيره من المركبات الكيميائية في الدماغ يجعلك في اقصى حالات الانتباه من أجل التعامل مع الموقف الخطر، وحتى عندما يكون الخطر غير حقيقي وعندما تكون بامان في بيتك تشاهد على تلفازك برنامجا يحتوى مشاهد خطيرة ، مثل برامج الكوارث الطبيعية وعمليات الانقاذ والهجمات المسلحة وغير ذلك ، فإن نفس المركبات الكيميائية سيتم افرازها في الدماغ، الدماغ بكل بساطة يظن أن رؤية هذه المناظر والانتباه لها ضروري للبقاء ولهذا يمنعك من التوقف عن المشاهدة بما يشبه نوعا من الادمان، حتى لو أزعجتك تلك المشاهد العنيفة فإنك تجد نفسك تعود لرؤيتها أو رؤية غيرها مرارا، لاحظ أننا نعجب بالمشاهد العنيفة اذا كنا بأمان منها، ولا أظنها ممتعة لو وصل خطرها لنا، لعل هذه هو سر استماعنا بما يسمى مدينة الاشباح أو بيت الرعب بألعاب الملاهي، فنحن في بيئة امنة بينما تشد انتباهنا اشكال الوحوش.








الشعور بالذنب

معظم الوقت نحن نشعر بالذنب لحبنا لمشاهد العنف أو مشاهد التعذيب، فليس من المفترض بنا أخلاقيا أن نعجب بمعاناة اشخاص اخرين، ولعل ذلك الشعور بالذنب دافع اضافي لنطلب المزيد من مشاهد العنف، الشعور بالذنب عادة ما يتبع خرقنا للقوانين المتعارف عليها، وخرق القوانين يعطينا نوعا من الاحساس بأننا متحكمين في حياتنا، ومن هنا كان كل ممنوع مرغوب، فنحن نرى القوانين والتعليمات بمثابة موانع تمنعنا من التحكم بحياتنا ونريد استعادة ذلك التحكم، صحيح أنه لاتوجد قوانين تجرم مجرد مشاهدة العنف لكن شعورنا بالذنب هو بمثابة خرق لقانون اجتماعي أو عرفي، وللسخرية فإن شعورنا بالذنب يدفعنا لارتكاب المزيد من الفعل الذي سبب لنا الندم.


البحث عن معنى

الفضول له دور في شعورنا بالانجذاب نحو تلك المشاهد العنيفة، فنحن نبحث دوما عن معنى للحياة ومعنى للأشياء التي تحدث، خصوصا تلك التي تسبب لنا الحزن، فعند اصابتنا بمصيبة فإننا دائما مانسأل "لم يحصل هذا معنا؟"، ونسأل عن الغاية الكونية من حصول مثل هذه الأمور العنيفة الشديدة، ونظن أننا سنجد الاجابة من خلال متابعتنا لمصائب أخرى لعلنا نجد الاجوبة على الاسئلة التي سألناها عند مصابنا.
نحن ايضا نريد أن نشارك أفكارنا مع الاخرين، عندما نتحدث معهم عن اخبار الازمات أو المشاهد التي نكرهها ، هل يحسون تجاه هذه الاخباروالازمات كما نحس نحن؟ اذا كان الجواب نعم فهذا يعطينا نوع من الاحساس بالانتماء والانجذاب اليهم وأننا وإياهم جزء من مجموعة واحدة، في المقابل إن لم يشعرو بشعورنا فهذا مؤشر على الاختلاف بيننا وبينهم، لأن عدم شعورهم تجاه الازمات بنفس الطريقة التي نشعر بها نحن لهو مؤشر غلى اختلاف معاييرهم الاخلاقية عن معاييرنا.

  
من ناحية اخرى يمكن للهوس بالمشاهد العنيفة أو الخطرة أن يحمل طابعا سلبيا، الشعور بالرضى من سقوط الاخرين وفشلهم يبدو كنوع من الحسد، وسببه ان فشل الاخرين يجعلنا نبدو أقل فشلا، لهذا السبب تنتشر قصص وفضائح النجوم والساسيين وحتى عامة الناس، نحن غالبا ما ننخرط في مقارنة انفسنا بمن هم حولنا، وهذه المقارنة كفيلة بجعلنا نشعر بالقلق حيال مركزنا وترتيبنا في السلم الاجتماعي، ولاشك أن سقوط شخص من ذلك السلم هو بمثابة ترك درجة فارغة لنا أو على الاقل تقليل عدد المنافسين.

حبنا للمشاهد الخطرة والعنيفة يكون في بعض الاحيان نوع من التعاطف مع الضحايا ولا شك أن التعاطف مهم من ناحية التواصل والمقدرة على تفهم الآم الاخرين أو الشعور بها يجعلنا أكثر قربا من بعضنا وهذا ما يقوينا كمجموعة، بعض الناس يشاهد تلك الاشياء المفرطة في العنف كنوع من التدرب وكأنه يحاول أن يتعلم أو يكتشف كيف له أن يتصرف بموقف مماثل.
متابعة المشاهد العنيفة وسماع القصص المحزنة سواء الحقيقية منها أو غير الحقيقية يشعرنا في بعض الاحيان أن مشاكلنا صغيرة جدا اذا ما قورنت بمشاكل أخرى أكبر منها وهذا قد يساعدنا في التعامل مع ظروف الحياة ويصبرنا عليها.
سبب أخر اضافي هو الشعور بالرضى عن الذات، فعند متابعتك لفيلم سينمائي مخيف حتى نهايته يجعلك تشعر أنك شخص شجاع وتصبر أمام المخاطر.



في الختام فإن علاقتنا مع الرغبة في مشاهدة العنف معقدة جدا لن يغطيها مقال واحد، لكن على الاقل عندما تجد نفسك تنتظر الجزء الجديد من أحد أفلام الرعب السنمائية مثل Saw  ، تذكر أنك لست وحدك في هذا.





مصادر وروابط خارجية


Share on Google Plus
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.