نظرية المؤامرة



Spacecolonization

إننا نعيش في عالم فوضوي بأحداث غير متوقعة أقرب للعشوائية منها الى النظام، وبصفتنا كائنات تميل الى الرغبة بايجاد التفسير لكل شيء ومحاولة توقع الاحداث للاستفادة منها، فإننا نحاول جاهدين أن نجعل تلك الاحداث العشوائية مترابطة ومنطقية في محاولة منا لفهم كيف يسير العالم من حولنا، لكن احيانا نبالع في تبسيط الامور والتقليل من العشوائية واللانظام في الاحداث ومن هنا جائت ما تسمى نظرية المؤامرة كمحاولة لفهم العشوائية في الاحداث عن طريق تفسيرها بأيدي خفية تتلاعب بالعالم وتصنع أحداثه.


ماذا نقصد بنظرية المؤامرة؟


إن مفهوم المؤامرة واسع جدا، فهو يشمل بضعة أفراد يخططون لعمل إجرامي، الى مجموعة من الدول تتعاون فيما بينها للنيل من دول أخرى كما في حالات الحروب، الا أن المقصود بنظرية المؤامرة في بحثنا هذا هو تلك الافكار والنظريات التي يطغى عليها الطابع الخيالي مما يجعل صحتها أمرا مستبعدا، بالتالي أنا لا أقصد بنظرية المؤامرة مجرد التعبير الاصطلاحي عن محاولة عدة جهات التعاون بينها لتحقيق هدف مشترك، فلا أحد بوسعه أن ينكر أن الدول في ما بينها والافراد كذلك من الممكن أن يتعاونوا في الخفاء لتحقيق أهداف معينة.
بالنسبة الى المؤامرات التي نحن بصددها فإن السمة العامة المميزة لها هي احتواؤها على فكرة وجود جهات خفية تتحكم بالعالم، وتتعاون تلك الجهات فيما بينها لتحقيق منفعتها على حساب المصلحة العامة.
أما عن هوية تلك الجهات التي تعمل بالخفاء فتختلف بحسب النظرية وبحسب من يروي وجهة نظره حول النظرية كما سيتضح معنا عند سرد النظريات.
قبل أن نستعرض أهم تلك النظريات وأكثرها انتشارا علينا ان نقول بضع كلمات حول نظريات المؤامرة ومالذي يجمع بينها ولماذا يؤمن الناس بها.


المؤامرة والتعليم


واحدة من الدراسات التي اجريت من قبل جامعة ميامي اشارت الى أن التعليم له دور في تقليل الاستعداد لتقبل نظريات المؤامرة والتصديق بها، فحوالي 42 بالمئة من غير الحاصلين على الشهادة الثانوية يميلون بشدة الى التصديق بالمؤامرة، بينما تنخفض النسبة الى 23 بالمئة بين الحاصلين على الشهادات العليا(1).


المؤامرة والفروق المجتمعية


بالرغم من أن نظرية المؤامرة تنتشر بين جميع الطبقات في المجتمع وموجودة في جميع الشعوب، الا أن هناك فروقا في الاعتقادات تختلف من مجتمع لاخر. في الولايات المتحدة من يصفون أنفسهم بأنهم ليبراليون تنتشر بينهم معتقدات ان الاحزاب السياسية تعمل بإمرة الشركات الكبرى وبهذا تتامر الشركات مع الحكومة، بينما في جانب المحافظين خصوم الليبراليين فتـنتـشر بينهم اعتقادات بأن الأكاديميين والعلماء يتامرون ضد الشركات لإضعاف الاقتصاد الامريكي.
احيانا يقود الاعتقاد بالمؤامرة الى معتقدات متناقضة مثلا اذا كنت تؤمن أن أسامة بن لادن مات قبل 2011 فعلى الارجح أنك تؤمن انه لازال حيا، هذا لأن الاعتقاد بنظرية المؤامرة غير مبني على ادلة بل لأسباب أخرى سنذكرها.


لماذا يؤمن الناس بنظرية المؤامرة؟


لا يوجد سبب وحيد يدفع للايمان بالمؤامرة، إنما هنالك مجموعة من الاسباب التي تجعل فكر المؤامرة مقبولا:

الشخصية الشكاكة


الشخصية الشكاكة Paranoid Personality، وهذا المصطلح هو اسم لاضطراب نفسي معروف، والمصاب بهذا الاضراب لا يستطيع الا أن يرى أن الناس يتامرون عليه، ويصبح كل همه بعدها جمع الادلة لإثبات تلك المؤامرة المزعومة، ولا يهم اذا اخبرته ان ما يشعر به ليس الا محض اوهام لأنه سيتهمك حينها بأنك شريك في المؤامرة التي تحاول نفيها، ومن ينظر الى نظريات المؤامرة المنتشرة سواء السياسية أو العلمية أو أي نوع اخر سيرى نفس النمط بحيث أن اي محاولة منك لاقناع اصحاب نظرية المؤامرة بزيف نظريتهم وبطلانها ستكون بالنسبة لهم دليلا على أنك طرف في تلك المؤامرة.

بالتأكيد ليس كل المؤمنين بالمؤامرة مضطربين نفسيا، إنما وكما قلنا ثمة أسباب كثيرة، البعض يؤمن بالمؤامرة بسبب نقص المعرفة، مثلا البعض ينظر الى تحالف الدول مع بعضها بعد فترة من الحروب على ان حربهم لم تكن حقيقية من البداية، بينما الملمين في الامور السياسية يعرفون أن طبيعة العلاقات بين الدول هي بهذا الشكل.
لاننسى أيضا التضليل الموجود في بعض وسائل الاعلام لتدعيم فكرة المؤامرة ، أحيانا اخرى يكون الايمان بوجود المؤامرة بسبب ضغوط اجتماعية على الفرد، اذا كان معتقد المؤامرة هو السمة العامة للبيئة التي تعيش فيها فمن المرجح انك ستؤمن بما يؤمن به أغلب الناس في بيئتك مثل المدينة أو الدولة التي تسكنها.

حلول سهلة


تقدم نظرية المؤامرة حلا سهلا لمعرفة ما يجري في العالم، كما قلنا في البداية فإن الاحداث في هذا العالم يغلب عليها طابع الفوضى وعدم النظام، وتقدم نظرية المؤامرة اجابات سريعة وسهلة عن طريق فرضية واحدة وهي وجود أياد خفية تتحكم في الاحداث العالمية.

المصلحة


المصلحة أو المنفعة لها نصيبها أيضا من الدوافع لنظرية المؤامرة، اذا نظرنا الى مؤامرة الاحتباس الحراري، وهي النظرية القائلة بأن الاحتباس الحراري لا وجود له، وهو ليس الا مؤامرة من قبل العلماء بالتعاون مع الحكومات للتأثير على الشركات، سنجد المروجين لهذه النظرية هم اصحاب الشركات التي تلوث الهواء بدخان مصانعها.
نظرية المؤامرة تعطي احساسا بأنك تمتلك معلومات قليلة الوجود لا أحد يعرفها الا أنت وكأن ندرة المعلومات تعني أهميتها وهذه مجرد مغالطة، فقيمة المعلومات تأتي من صحتها وليس من ندرتها، أيضا نظرية المؤامرة تعطي احساسا لمعتنقها إحساسا بالبطولة لأنه، وبحسب اعتقاده، يحارب قوى الشر والمؤامرة العالمية ضده، فبحسب نظرية المؤامرة دائما ما يكون العدو هو الاقوى.


لا يمكن تفنيدها


إن مما تعرف به نظرية المؤامرة هو استحالة تفنيدها، إن أي محاولة لتفنيد نظرية المؤامرة أو تبيان بطلانها كما أفعل أنا الان، يعتبره أصحابها دليلا إضافيا على قوة المؤامرة ضدهم واستفحالها، فنظريات التآمر التي سأذكرها في هذا المقال قد يعتبرني انصارها طرفا فيها واني أحاول انكار المؤامرة من أجل التمويه فقط، وأي دليل يمكن تقديمه ضد النظرية ليس الا تمويه وخداع إضافي من المتآمرين، وعلى هذا فنظرية المؤامرة أصبحت منيعة من التفنيد بطبيعة الحال، وهي بهذا غير مجدية من ناحية معرفية، لأن المعرفة تقوم على أفكار لا يستحيل تفنيدها وعدم إمكانية تفنيدها مع عدم الاستحالة تعني صحتها على العكس من نظرية المؤامرة التي يستحيل تفنيدها.


خطورة فكر المؤامرة


كأي معتقد زائف نظرية المؤامرة لها أضرار مباشرة واخرى غير مباشرة، فالمعتقدات الزائفة تفسد العقل، وتراكمها يمنعه من التفكير السليم، فالعقل الذي بوسعه الايمان بنظريات خيالية واضحة البطلان يسهل خداعه من قبل أي نصاب أو محتال على العكس من العقل الذي اعتاد البحث عن الحقيقة ولو على حساب راحته، وبالنسبة لنظريات المؤامرة فضررها المباشر واضح في تصرفات المؤمنين بها، فلا يوجد ما هو أسوا من ان يضحي الانسان بطاقاته ووقته أو حتى حياته في سبيل أوهام فقط، وهنا تظهر لنا أهمية العلم والتفكير العلمي في تبيين الطريقة الصحيحة التي نفصل بها الحقيقة عن الخيال.

سنعرض بضعة نظريات مهمة لكننا لن نفصل في تفنيد كل واحدة منها إنما سنكتفي بشكل رئيسي بتلخيص محتواها، لكن عليك أن تعلم أن كل النظريات التي سنعرضها غير صحيحة


اضغط على الارقام لإكمال القراءة
1 2

3 4

5 6

7 8
Share on Google Plus

1 التعليقات:

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.