تخيل أن كوكب الارض ليس كما كنت تعتقد، بل هو قشرة مجوفة على شكل كرة، مثل كرة القدم، وحكومات الدول العظمى تخفي هذه الحقيقة عن الشعوب، على ما يبدو لمنعهم من التواصل مع سكان جوف الارض أصحاب الحضارة المتقدمة علينا كما يفترض، ولم تكتفي الحكومات بهذا بل اخفت هذه الحقيقة من المناهج الدراسية وفوق ذلك كله رشت العلماء أو قمعهم وارغامهم على التعاون معها.
نظرية الارض المجوفة أو بالاحرى نظريات الارض المجوفة ليست بعيدة عن هذا السيناريو لكنها تختلف فيما بينها حول التفاصيل.
هل الارض مجوفة؟ بالتأكيد لا، وقبل أن نعرف لم الارض لايمكن أن تكون مجوفة ينبغي أولا أن نعرف النظريات المختلفة التي تدعي هذا وأهم منظريها.
الارض مكونة من طبقات
صاحب هذه النظرية هو ادموند هالي مكتشف مذنب هالي الشهير، وهذا مما زاد من حماسة انصار تلك النظرية ولكن هالي قد عاش في القرن السابع عشر ولم تكن الجيولوجيا في ذلك الوقت كما هي الان. افترض هالي أن الارض مكونة من أربع طبقات يفصل بين كل طبقة وأخرى غلاف جوي صالح للتنفس والحياة
وعلى كل أرض تعيش مخلوقات يناسبها العيش هناك، وكانت الطبقة الخارجية من نصيب البشر. بحسب نموذج هالي فإن كل طبقة من طبقات الارض هي عبارة عن كرة، الكرة الداخلية بحجم كوكب عطارد والتي فوقها بحجم المريخ والتي فوقها بحجم الزهرة وكل كرة من تلك الكرات تدور بشكل منفصل عن دوران الكرات الاخرى، وكل كرة لها أقطابها المغناطيسية الخاصة بها.
اعتقد هالي ايضا أن الغلاف الجوي الخاص بالكرات الارضية السفلي هو غلاف جوي متوهج بطبيعته ويعمل كبديل عن الشمس بالنسبة لسكان جوف الارض، وظاهرة الشفق القطبي، بحسب هذا النموذج، تحدث بسبب تسرب الغلاف الجوي المتوهج من باطن الارض.
وفي الحقيقة فإن ما دفع هالي لوضع فرضيته تلك هو محاولته لتفسير التغير المستمر لاتجاه الاقطاب المغناطيسية للأرض، والعلماء الان يعرفون أن المجال المغناطيسي للارض سببه الحديد الصلب في اللب الداخلي للارض الذي تغلفه المعادن المنصهرة في اللب الخارجي والحركة الطبيعية للمعادن المنصهرة هي ما تجعل القطب المعناطيسي غير ثابت لانه يعتمد أساسا على حركة المعادن المنصهرة.
جون كليف سيمس الابن John Cleves Symmes, Jr. كابتن وضابط امريكي وقد اشتهر بنظريته في الارض المجوفة في القرن التاسع عشر حيث ألف كتيبا في عام 1818 عنوانه "الرسالة رقم 1" Circular No. 1 يصف فيه كوكب الارض والكرات التي بداخله، ونظريته تشبه نظرية هالي باستثناء وجود خمس كرات بدلا من أربع تدور كل منها بسرعات مختلفة على محاور مختلفة، قام سيمس بارسال كتابه الى الكليات الجامعية وبعض الباحثين وحكومات اجنبية أيضا، ثم أتبع كتابه بمجموعة من المؤلفات والمقلات الاخرى دفاعا عن وجهة نظره بعد أن عجز كتابه الاول عن إحداث التأثير الذي تمناه، أيضا سيمس اعتقد أن في مقدورنا الوصول الى جوف الارض عن طريق بوابة في القطب الشمالي عرضها 6500 كيلومترا وبوابة أخرى في القطب الجنوبي عرضها 9500 كيلومترا.
وبحسب نظرية سيمس تمتلئ كل طبقة من طبقات الارض بالحياة، النباتات الحيوانات بل وربما البشر، جون سيمس جاب أنحاء الولايات المتحدة مبشرا بنظريته، بل وتمكن بمساعدة من بعض أصدقاءه ذوي النفوذ من تقديم مشروع للكونغرس الامريكي لارسال بعثة استكشافية الى القطب الشمالي للوصول الى جوف الارض الا أن الكونغرس لم يوافق على مشروعه. جون سيمس قام لاحقا باختصار نظريته فاستبدل الطبقات الاربع الداخلية بطبقة واحدة فقط ليصبح عندنا الطبقة الخارجية التي نعيش عليها نحن وطبقة اخرى داخلية تخص سكان جوف الارض، أيضا قام بتعيمم نظريته لتشمل الكواكب الاخرى غير الارض.
ولعل أنصار الارض المجوفة اليوم تأثروا بهذا النموذج أكثر من غيره، لأنه بيدوا أقل جنونا من النماذج الاخرى.
الارض المجوفة بالكامل
هذه النظرية تقول إن الارض عبارة عن كرة كبيرة فارغة من الداخل نعيش نحن على سطحها الخارجي بينما يعيش سكان جوف الأرض على السطح الداخلي
وبالاضافة للحياة على الطبقة الخارجية فإن الطبقة الداخلية تعج بالحياة أيضا، جوف الارض به جبال وأنهار ومحيطات وسكان جوف الارض عندهم مدن خاصة بهم، والوصول الى جوف الارض يتم عن طريق بوابتين واحدة في القطب الشمالى والاخرى في القطب الجنوبي، وبحسب هذه النظرية توجد شمس أخرى داخل جوف الارض تنير العالم السفلي بينما تنير الشمس الخارجية عالمنا نحن.
بعض اتباع هذه النظرية يقولون بوجود شمس واحدة تشرق على الارض من الخارج وعند الغروب تدخل الى باطن الارض من خلال البوابات الموجودة في القطبين الشمالي والجنوبي لتغرب عندنا وتشرق بالمقابل على سكان جوف الارض وواضح أن الارض ثابته وفقا لهذا القول.
أما سكان جوف الارض ففي الغالب يتم الاشارة اليهم على أساس أنهم أصحاب حضارة متقدمة علينا تكنولوجيا وأخلاقيا وروحانيا ويعرفون جميع الاجوبة على أسئلتنا العلمية والفلسفية، ولا مانع من حصول لقاءات بين البشر وسكان جوف الارض الذين يعلمون بوجودنا ويخفون وجودهم عنا.
أحد أشهر أصحاب هذه النظرية هو المدعو رايموند بيرنارد Raymond W. Bernard واسمه الحقيقي والتر سيغمايستر Walter Siegmeister قائد مايسمى بحركة الصليب الوردي Rosicrucianism، وكان يكتب تحت اسم مستعار، ادعى بيرنارد في كتبه الكثيرة التي كتبها أن مايسمى الصحون الطائرة UFO تخرج علينا من جوف الارض وقد صنعتها الحضارة المتقدمة الموجودة هناك، ومن ادعاءاته أيضا أن شعب الاسكيمو تحدروا من سكان جوف الارض، وسكان جوف الارض بحسب اعتقاده هم سكان قارة اطلانطس الاسطورية وقد اختارو (لسبب غير مفهوم) اللجوء لجوف الارض بعدما غرقت قارتهم في المحيط، وأما القصص فلا تنتهي عن اشخاص سافروا لجوف الارض ورأوا ما رأو من العجائب وعادوا ليخبرونا عنها.
الارض المجوفة المقعرة
أما أغرب واحدة من تلك النظريات فهي الارض المجوفة المقعرة والتي تنص على أن الكون الذي نعيش فيه كرة مجوفة لايوجد شيء خارجها وكل المجرات والكواكب داخل الكرة وهذه الارض التي نحيا عليها هي في الحقيقة السطح الداخلي للكرة الكونية
هذه النظرية تخص الكون كله وليس الارض فقط فهي تشبه كونا مقلوبا داخله صار خارجه.
وأما من جاء بهذه الفكرة فهو سايروس تيد Cyrus Teed مؤسس مذهب يسمى الكوريشانية وقد أسس مذهبه بناءا على هذه النظرية التي وصلت اليه عن طريق ما سماه "تنويرات روحانية من الطبيعة الأم".
نظرية الكون المقلوب اعتقدها عدد من الضباط الالمان في فترة المانيا النازية، بيتر بيندر Peter Bender الضابط في القوات الجوية كان زعيم طائفة دينية المانية تؤمن بنظرية الارض المجوفة المقعرة.
النموذج المنتشر في هذه الايام لايختلف كثيرا عن النموذج الذي جاء به سيمس القائل بوجود طبقة واحدة داخل الارض تحتوى على مخلوقات حية وحضارة مزدهرة تفوق حضارتنا، باستثناء أن أحدا لم يجد البوابات المزعومة في القطبين فقال أنصار الارض المجوفة أن الدخول اليها ممكن عن طريق كهوف عميقة موجودة في مكان ما في الكرة الارضية.
اذا سألنا لماذا لازال هناك من يؤمن بهذه النظرية؟ فالجواب من عدة وجوه، أولا منظري الارض المجوفة يعتمدون في الغالب على نظرية المؤامرة كما أسموها وهي أن حكومات الدول العظمى تعلم بحقيقة الارض المجوفة وسكانها ولكنها تخفي هذه المعلومات عن الشعوب وهذه الفكرة تلعب على عاطفة الشعوب التي فقدت الثقة بحكوماتها وصار أي فعل ممكن من قبل الحكومة خصوصا عندما نتحدث عن حكومة دولة معادية أو مستعمرة، لكن سجل الحكومات في اخفاء الاسرار ليس بارعا هكذا.
أضف الى هذا مغالطة الاحتكام للسلطة عندما نسمع قصصا عن أن هتلر واتباعه امنوا بالارض المجوفة وان هتلر قد يكون نجا من الموت أو الاسر عن طريق اختباءه داخل جوف الارض، الى غير ذلك من القصص التي تنشر ولا أصل لها، فإن الذي يسمع هذا الكلام يحس أن نظرية الارض المجوفة حقيقة ولو لم تكن كذلك لما امن بها اصحاب السلطة وطريقة التفكير هذه مبنية كما قلنا على مغالطة، فالسياسيون وأصحاب السلطة غير محصنين ضد المعتقدات الزائفة.
نظرية الارض المجوفة تعطي معتنقها نوعا من الاحساس بالاكتشاف والمغامرة حيث أنها تعده بمغامرة قريبة منه، فجوف الارض على العكس من الكواكب البعيدة هو في متناول الجميع عن طريق الكهوف العميقة كما يزعم أصحاب النظرية، فالمؤمن بهذه النظرية يشعر أن اكتشاف حضارة اخرى مجهولة تفوق الخيال في روعتها على بعد مرمى حجر ليس إلا.
بعد كل هذا الكلام عن الارض المجوفة ونظرياتها كيف نعرف أن الارض ليست مجوفة حقا؟
هناك عدة أسباب علمية تجعلنا نرفض فكرة الارض المجوفة.
الجاذبية
لو كانت الارض مجوفة بالكامل وعبارة عن قشرة فقط فان الجاذبية وحدها ستتكفل بجذب اجزاء تلك القشرة الى بعضها بعضا فتنهار وتنكمش وترجع للشكل الكروي، لهذا السبب لانجد أي كوكب أو أي نجم بالشكل غير الكروي لأن جاذبيته ستضغط مكوناته الى الشكل الكروي.
حتى لو افترضنا أن القشرة الخارجية للارض قوية بما يكفي لتحمل قوة الجاذبية ففي هذه الحالة فإن سكان جوف الارض سيعيشون في حالة انعدام الوزن والسبب في هذا أن الجاذبية من القشرة الخارجية ستسحب الشخص الجالس في جوف الارض في جميع الاتجاهات بالتساوي وعلى هذا فقوى الجاذبية ستلغي بعضها ليطوف في حالة انعدام الوزن.
الموجات الزلزالية
والموجات الزلزالية هي موجات من الطاقة تسافر خلال طبقات الارض وتتسبب بالزلازل، الموجات الزلزالية تسافر بسرعات مختلفة بحسب الوسط الذي تنتقل خلاله، ودراستها تمكن الجيولوجيين من معرفة مكونات الارض، دراسة الموجات الزلزالية يشير الى أن باطن الارض مكون من الصخور الصلبة وليس الهواء وهذا كفيل بتفنيد جميع النظريات الارض المجوفة سواء أكانت مجوفة تماما أو عبارة عن طبقات.
المجال المغناطيسي الارضي
المجال المغناطيسي للارض يتسبب به الحديد في اللب الداخلي والمعادن المصهورة في اللب الخارجي فوجود المجال المغناطيسي يعارض الارض المجوفة التي تزعم عدم وجود لب للارض في حالة الارض المجوفة بالكامل.
لم نعثر على سكان جوف الأرض
تزعم معظم نظريات الارض المجوفة أن سكان جوف الارض مخلوقات صاحبة حضارة متقدمة علينا في جميع النواحي لكن ولسبب ما تخفي حكومات الدول العظمى وجودهم عنا، لكن أليس بوسع تلك المخلوقات أن تظهر لنا بالرغم من معارضة بعض الناس من سيمنعها أذا كانت تفوقنا في التكنوجيا والاسلحة وغير ذلك؟ صعب جدا الاقتناع بوجود عالم يعج بالحياة الذكية تحت أقدامنا ولم يخرج علينا بعد.
بعض المصدقين بالارض المجوفة وسكانها يدعون وجود تامر خفي بين الحكومات وسكان جوف الارض ولهذا السبب تبقى الدول القوية قوية لأنها تتلقى المساعدة من حضارة جوف الارض، لكن مالذي يدفع سكان جوف الارض لمساعدة الحكومات بدلا من السيطرة على العالم بما عندهم من علوم وتكنولوجيا.
طبعا المؤمنين بالارض المجوفة غير متفقين فيما بينهم على شكل أو طبيعة المخلوفات التي تعيش في باطن الارض، أحيانا يتم الاشارة اليهم على أساس أنهم نوع من البشر الخارقين وأحيانا يتم الادعاء انهم يتشابهون مع المخلوقات الفضائية القصيرة ذات الرأس الكبير.
لايوجد دليل في الأساس
يقع عبء الاثبات على صاحب الادعاء ومن يدعي أن الارض مجوفة فهو مطالب بأدلة على صدق ادعاءه، ومطالب أيضا أن يفسر لنا كيف تعمل الجاذبية في ضوء نظريته وكيف تتوافق نظريته مع المجال المغناطيسي الارضي والموجات الزلزالية وغير ذلك من المشاهدات التي يمكننا تفسيرها بدون الحاجة لافتراض أن الارض مجوفة.
كلما تمعنا في نظريات العلم الزائف كنظرية الارض المجوفة وغيرها، فإننا نجدها تعتمد على مغالطة الجهل ونجد أصحابها يكررون عبارات على شاكلة أن العلماء لم يتمكنو بعد من حل اللغز الفلاني فبالتالي أي شيء ممكن، وهذا المنطق غير صالح، فحتى لو لم نكن نعلم أي شيء عن الارض هذا لايعني أن كل الاحتمالات صارت ممكنة، فمجرد جهلنا لا يعني صدق نظريات معينة وعدم المعرفة لا يعني المعرفة.
لو أخذنا منطق دعاة الارض المجوفة على محمل الجد فإن بوسعنا ادعاء أي شيء نريده، يمكننا ادعاء أن الارض مسطحة والحكومات العالمية تتامر مع العلماء لاخفاء حقيقة تسطح الارض، و وجود ألغاز لم تحل الى الان سنعتبره دليلا على الارض المسطحة.
وهنا تكمن خطورة ما يسمى بالعلم الزائف، فربما تكون قضية الارض المجوفة ليست بتلك الأهمية وغالبية الناس لا يؤمنون بها، ولكن المشكلة هي وصف تلك الاوهام بأنها "نطريات" مما يعطي الانطباع أنها نظريات علمية، وهناك فرق طبعا بين النظرية العلمية وبين النظرية بالمفهوم العام، فالنظرية العلمية اذا كانت تدعمها أدلة كثيرة فعندها لافرق عملي بينها وبين الحقيقة العلمية (مثل نظرية الانفجار العظيم ودوران الارض حول الشمس وغير ذلك).
العلم الزائف يستخدم نفس مصطلحات العلم لمنح المصداقية للهراء الذي يقدمه، وبهذا يفقد الناس الثقة بالنظريات العلمية باعتبارها "مجرد نظريات" شأنها شأن نظريات العلم الزائف التي لا تتجاوز كونها تخمينات فقط.
مراجع وروابط خارجية
http://www.nasa.gov/topics/earth/features/2012-poleReversal.html
http://dioi.org/kn/halleyhollow.htm
http://skepdic.com/hollowearth.html
https://skeptoid.com/episodes/4343
لا تبخل بمشاركة هذه المعلومات مع من تعرف، وشكرا للقراءة.
ردحذف