كثيرة هي الاداعات التي يصفها اصحابها انها علمية أو ان العلم اثبتها، فكيف نميز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف؟
هدفي في هذه المقالة تسليط الضوء على الطريقة الواجب اتباعها للتأكد من صحة الادعاءات المقدمة لنا سواء من وسائل الاعلام بمختلف اشكالها أو من الاصدقاء والاقران.
بالنسبة للعلماء فعندهم المنهجية العلمية المعتمدة لتمييز العلم من اللاعلم وقد تحدثنا عنها باسهاب في مقال سابق لكن ماذا عن غير العلماء وغير المتخصصين؟ كيف يحصنون انفسهم من الوقوع فريسة من يدعي كذبا ان اقواله "مثبتة علميا"؟
والجواب السريع هو طلب المصدر، من اين جاء المدعي بهذا الكلام، مهمن كان الشخص صاحب الادعاء موضع ثقة بالنسبة لك لاتقبل ادعائه بلا مصدر؟
لكن يبقى السؤال قائما فما هي المصادر الصحيحة؟ مثلا، هل البرامج الوثائقية تعتبر مصدرا صحيحا؟ ماذا عن المحطات الفضائية الاخبارية وغير الاخبارية؟ صفحات الفيس بوك؟ مواقع الانترنت؟ هل قرائتنا أو سماعنا لمعلومة من تلك المصادر يعتبر توثيقا لتلك المعلومة؟
والحقيقة ان لاشيء مما ذكر يعتبر مصدرا موثوقا، بل انك انك لتتفاجأ من عدم الدقة، المتعمدة احيانا، في المحطات الفضائية ووسائل الاعلام المختلفة.
جميع تلك المصادر التي ذكرناها لها انحيازاتها ولأصحابها وجهات نظر يسعون لاثباتها بشتى الوسائل من بينها الادعاء بان العلم يدعمهم، وقد تكون تلك المصادر لها وجهات نظر صحيحة لكن ليس هذا مبحثنا، وما يهمنا الان المصادر الصحيحة للعلم وليس للاشياء الاخرى.
اذا ما الحل؟
ماذا عن رأي الخبراء؟
رأي الخبراء يعتبر مرجعا صحيحا، واقصد برأي الخبراء هو اجماع العلماء المتخصصين، مثلا كيف نعرف ان التدخين يسبب السرطان؟ والجواب هو ان 98% من الاطباء قالوا بذلك، في مسألة الاحتباس الحراري 97% من علماء المناخ اجمعوا على ان مناخ الارض يتغير نحو الاسوء والسبب الرئيسي هو نشاط الانسان.
لاحظ ان الاجماع لا يكون ولن يكون بنسبة 100% فالعلماء ايضا بشر ولهم انحيازاتهم، مثلا شركات التبغ دفعت الاموال لبعض الاطباء لينكروا التأثير السلبي للتدخين، وكذلك علماء المناخ بعضهم لديه انحيازات سياسية معينة، لهذا قلنا ان العبرة باجماع الخبراء وليس بقول واحد منهم أو اثنين أو عشرة، ولا عبرة باجماع غير الخبراء، فلا نهتم كثيرا برأي طبيب الاسنان حول مشكلة في العيون.
في معظم الاحيان نحن مضطرين للرجوع الى رأي الخبراء، فلا يمكن للانسان ان يتخصص في كل شيء، لا يمكنك أن تتخصص في الطب والهندسة والصيدلة والجغرافيا، انت خبير في اختصاصك اذا كنت على قدر كاف من المعرفة فيه اما التخصصات الاخرى فيكفيك ان تعرف عنها بعض الامور العامة وتترك البقية للخبراء في مجالاتهم، مثلا انا لست خبيرا في اللغة العربية لكني اعرف بما يكفي لاكتب بها واترك التفاصيل لاهل الاختصاص.
ان الرجوع لرأي الخبراء ليس مغالطة كما يتصور بعض الاشخاص، لان الاحتكام للخبراء يعتبر احتكاما صحيحا للسلطة ولكن الاحتكام لغير الخبراء يعتبر احتكاما الى السلطة غير الصحيحة وهو ما يعرف بمغالطة الاحتكام الى السلطة.
بقي ان نقول ان الاحتكام الى اراء المتخصصين لاتعني ابدا الغاء العقل الناقد فلا يزال عليك ان تناقشهم وتسألهم لماذا يعتقدون بما يعتقدون به، وهذا هو التعلم الذي يأتي عن طريق المناقشة والفهم العميق وليس مجرد التلقين، عندما تذهب الى الطبيب ويشخص لك المرض لايزال بوسعك سؤاله على اي اساس بنى تشخيصه وعليه اجابتك.
ما يدرس في جامعات العالم؟
الجامعات المحترمة في العالم (في حال درست في احدها) تعتبر مصدرا موثوقا للعلم، وحتى لو لم تدرس فيها فلا مشكلة بقراءة الكتب التي تدرس في تلك الجامعات والتعلم منها.
الكتب التي يؤلفها متخصصون في مجالهم تعتبر مصدرا للمعلومات بشرط ان يكتب المؤلف باختصاصه ولا يخالف اجماع العلماء.
ماذا عن الاوراق البحثية؟
اذا اردت الانتقال للمستوى التالي في المصادر الصحيحة، ومعرفة ماذا يدور في عقول الخبراء وعلى ماذا يعتمدون في مصادرهم، في هذه الحالة عليك ان تعرف ان المصادر العلمية التي يعترف بها العلماء انفسهم تصنف الى ثلاثة أقسام :
1. مصادر أولية
2. مصادر ثانوية
3. مصادر ثالثية
وسأعطي لمحة عن كل واحدة منها:
المصادر الاولية:
هي الابحاث التي تجمع البيانات التي لم تكن موجودة سابقا وتتعامل مع الحقائق بشكل مباشر، وتختلف من علم الى اخر، في العلوم الطبيعية تعتبر الاوراق البحثية التي تصف تجارب تمت في المختبر مصدرا أوليا لانها تتعامل مع البيانات والوقائع مباشرة، في العلوم الاجتماعية تعتبر الاحصائيات مصدرا أوليا، بينما في التاريخ تعتبر مذكرات شخصية تاريخية عاشت قديما مصدرا اوليا.
ابحاث مراجعة الاقران Peer reviewed
عندما يقوم الباحث او العالم بتجربة سواء كانت داخل المختبر او مراقبته لسلوك الحيوانات فإنه يسجل الطريقة التي اتبعها والنتيجة التي وصل اليها في ورقة بحثية ويرسلها الى مجلة علمية متخصصة في نشر الابحاث، حيث يراجعها علماء اخرون من نفس اختصاصه ويتأكدون من صحة المنهجية المستخدمة والنتيجة التي وصل اليها وبعد ذلك يتم نشرها في المجلة ليطلع عليها اي عالم من علماء العالم ليجري نفس التجربة.
تعتبر ابحاث مراجعة الاقران مصدرا أوليا لانها تتعامل مع البيانات والحقائق مباشرة، لكن ينبغي التنبه هنا على ان ليس كل ما ينشر في المجلات من ابحاث هو صحيح تماما بعض من تلك الابحاث يتبين خطأوه فيما، بعد وهذا هو الهدف من نشره ليطلع عليه علماء اخرون ويتأكدو منه او يفندوه، فتراكم الابحاث مع الزمن هو ما يكشف الحقيقة.
هناك نقطة ينبغي التنبه لها جيدا وهي أن المجلات التي تنشر الابحاث ليست كلها بنفس القوة، فهناك مجلات عالمية وقوية مثل Scientific American ومجلة Nature، بينما هناك مجلات مشبوهة تنشر لاي كان مقابل المال بدون مراجعة وهذه المجلات تعتبر هدفا لمروجي العلوم الزائفة فيكتبون فيها ويستشهدون بها.
المصادر الثانوية:
وهي المصادر التي تقيم وتحلل وتستخرج النتائج من المصادر الاولية، من امثلتها رسائل شهادة الدكتوراه فهي تستشهد وتناقش مصادر اولية، ومن الممكن ايضا ان تجد كتاب كمصدر ثانوي طالما ان المؤلف يستشهد بمصادر اولية ويناقشها، المصادر الثانوية بحد ذاتها تتعرض لمراجعة ايضا مثلا الكتب التي تدرس في الجامعات تعتبر مراجع ثانوية وهي تتعرض للمراجعة ايضا.
لا ينبغي النظر الى المصادر الاولية باعتبارها اكثر صدقا من المصادر الثانوية فكل ما في الامر ان المصادر الأولية تأتي أولا من حيث الترتيب الزمني.
المصادر الثالثية:
وهذه ليست مصادر حقا، فهي تشمل اي ارشيف او قاعدة بيانات يجمع المصادر الاولية والثانوية لتسهيل ايجادها.
من اين احصل على تلك المصادر؟
يمكنك ان تجدها في المكتبات التابعة للجامعات أو المكتبات العامة وبعضها موجود على الانترنت وان كان شراء الابحاث مكلف بعض الشيء.
لماذا يغير العلماء رايهم؟
نقطة اخرى حول موضوعنا هذا وهي لماذا نشعر ان اقوال العلماء متعارضة فكثيرا ما تطالعنا المواقع الاخبارية والصحف عن دراسات علمية معينة تقول بفائدة الطعام الفلاني لتخفيف الوزن وبعد اسبوع ربما تاتي نفس الصحف بدراسات اخرى تقول ان نفس الطعام السابق يزيد الوزن ولاينقصه.
ما اللذي يحصل اذا؟ لماذا يغير العلماء رايهم كل مرة؟ هل هذا يعني ان العلم ليس بوسعه التأكد من شيء وهو مجرد ظنون فقط؟
كما ذكرنا قبل قليل، الابحاث العلمية المنشورة ليست كلها بنفس القوة وهناك ابحاث لم يتم التأكد منها بعد، وتكمن المشكلة في عدم تمييز الصحف الاخبارية بين الابحاث المؤكدة وغير المؤكدة فتنقل الصحف اي شيء فقط لزيادة عدد القراء مما يعطي انطباعا زائفا بان العلم ليس له الا التكهنات فقط.
طبعا في العلم هنالك ما هو مؤكد وهنالك ما هو غير مؤكد يسعى العلماء لإثباته او نفيه، فبشكل عام يسير العلم للامام نحو المزيد من المعرفة.
لكن قد يبقى في الذهن السؤال التالي: ماذا عن النظريات التي تخلى عنها العلم مثل نظرية الاثير ونظرية السيال الحراري، اليس هذا يعني امكانية احتواء العلم على نظريات غير صحيحة؟ والجواب هنا هو نسبية الخطأ، فنظرية مركزية الارض غير صحيحة لكنها اقل خطأ من نظرية الارض المسطحة.
وهناك مقولة جميلة تنسب الى المفكر والكاتب اسحاق عظيموف: "عندما اعتقد الناس ان الارض مسطحة كانوا مخطئين، وعندما اعتقدوا ان الارض كروية تماما كانو مخطئين ايضا، ولكن اذا كنت تعتقد ان كلا المعتقدين بنفس الدرجة من الخطأ فأنت مخطئ اكثر من كليهما".
بناء على قاعدة نسبية الخطأ فإن العلم لن يرجع الى الوراء فلن تصح نظرية ثبات الارض في المستقبل لان العلم نفاها وانتهى، فلو فرضنا ان العلم لايستطيع اثبات شيء لكنه على الاقل يستطيع ان يثبت عدم صحة بعض المعتقدات.
إذا نصل الى نهاية المقال وقد عرفنا كيفية التأكد مما ينشر في الانترنت ووسائل الاعلام ولانكون ضحية كل مخادع يسعى لنشره اجندته الخاصة على اكتاف العلم.
اذا اعجبك المقال شاركه مع من تعرف واذا كان عندك سؤال فلا تتردد بكتابته في التعليقات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.