العالم يسير للافضل رغم كل ما يجري
لماذا هذا الموضوع مهم
من يتابع الاخبار ووسائل الاعلام سيظن ان العالم يسير نحو هلاك وشيك، وقد تستغرب اذا قلت لك اننا نعيش في أكثر الاوقات سلمية على مر التاريخ رغم كل شيء يحدث الان.
ببساطة اذا كان العالم هالك لامحالة فما الفائدة من محاولات انقاذه، اضف الى ذلك أن رؤية العالم كجحيم على الارض يجعل من السهل التفريط بالمكتسبات التي بناها اجدادنا على مدى عشرات الاجيال وملايين التضحيات، لكن عندما تتبين لنا حقيقة العالم سنرى انه من الافضل ان نكمل طريق البناء ونواصل السير الى الامام.
الصورة النمطية عن العالم الذي ينهار ويتفكك بفعل تصاعد العنف في الحروب وغيرها هي صورة غير صحيحة بل بعيد كل البعد عن الصحة، جائت تلك الصورة السوداوية عن العالم بسبب الطريقة التي ننظر بها للعالم وليس بسبب العالم نفسه فنحن ننظر الى العالم كاجزاء متفرقة من غير ان نتمكن من رؤية الصورة الكبيرة.
الحل اذا ان ننظر للصورة الكبيرة لنعرف اذا كانت الامور تسير للاسوء ام للافضل وعلى هذا يمكننا ان نعرف اذا كان من المجدي ان نقاتل من اجل السلام العالمي ام ان الكفاح عبثي وهنا تكمن اهمية هذا الموضوع.
معرفة الصورة الكبيرة التي نريدها تكمن من خلال النظر في الاحصاءات الحالية ومقارنتها في الاحصاءات الماضية لنرى اذا كانت الامور تسير للافضل ام للأسوء، وهذا ما سنفعله حيث اننا سنقارن بين الماضي والحاضر في مختلف الجوانب.
نقصان عدد قتلى الحروب عبر التاريخ
تبدوا الحروب كأسوء شيء في نشرة الاخبار فلا يوجد ما هو اقسى من خبر مقتل 100 ضحية في يوم واحد، وقد تبدوا الحروب قدرنا الذي لن يفارقنا ابد خصوصا في ظل النزاعات المسلحة الحالية التي تتسبب في مقتل الاف الضحايا كل عام إلا أن أعداد الضحايا بسبب الحروب الحالية اقل بكثير من اعداد ضحايا الحروب في ما مضى.
تظهر الاحصائيات التي تقارن الحروب القديمة بالحديثة انخفاضا في عدد قتلى الحروب بالنسبة لعدد السكان.
في عصور ما قبل التاريخ كانت الحروب تقضي على ما يقارب 15% من سكان الارض واستمر الحال على ذلك عشرات الالاف من السنين، أكثرية تاريخ البشرية كانت بأسوء شكل، وذلك قبل الثروة الزراعية واستيطان البشر في مواطن ثابتة.
طبعا نحن نقارن نسبة الضحايا الى عدد السكان وهذا هو الصواب لأن عدد القتلى بالمطلق لاشك انه سيزداد مع ازياد عدد السكان وعدد السكان يزداد بتسارع كبير فوجب قياس الضحايا نسبة الى عدد السكان وليس بالمطلق.
ما بعد الحرب العالمية الثانية
خلال الحرب العالمية الثانية بلغت الخسائر البشرية 300 لكل 100 الف لكل عام، بمعنى في كل سنة كان يقتل في الحرب 300 شخص لكل 100 الف انسان يعيشون على الارض، وكان عدد سكان الارض حينها مليارين وثلاثمئة مليون نسمة قتل منهم ستون مليونا.
تبدو الحرب العالمية الثانية وكأنها الحرب الاشرس في التاريخ لكنها ليست اسوء مما سبقها، لاحظ أن نسبة القتلى في الحرب العالمية الثانية هي 0.3% وهي نسبه قليلة جدا اذا ماقورنت بالعصور القديمة 15% كما قلنا.
من بعد الحرب العالمية الثانية حصل انخفاض ملحوظ في عدد ضحايا الحروب نسبة الى عدد السكان، في الحرب الكورية التي دارت رحاها بين الاعوام 1950 و1955 انخفضت النسبة السابقة الى ما يقارب الـ 25 لكل مئة الف، اما في ثمانينيات وتسيعينيات القرن الماضي انخفضت النسبة الى اقل من 10 لكل 100 الف.
في القرن الحادي والعشرين في فترة الحرب السورية والحرب العراقية صارت النسبة 1 لكل مائة الف، لايمكنك مقارنتها بالنسب السابقة.
ومما يجدر ذكره ان نسبة المنتحرين في عا م 2012 بلغ 11 لكل 100 الف، بالتالي احتمال ان تموت منتحرا أكبر بعشر مرات من احتمال موتك باحدى الحروب.
هذا الرسم البياني يوضح انخفاض عدد القتلى بالنسبة لعدد السكان خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الشيء الذي يبعث على الامل هو انخفاض عدد القتلى بالرغم من ان الاسلحة تزداد قوة بسبب التطور المتسارع للتكنولوجيا فربما لن يدمر الانسان نفسه بسبب قوته التكنولوجية.
جرائم القتل
جرائم القتل قد لايكون لها النصيب الاكبر من أخبار العنف في وسائل الاعلام العالمية وان كانت وسائل الاعلام المحلية لاتخلو منها، لكن ما يعنينا في الامر أن عدد جرائم القتل بانخفاض سنة بعد سنة.
في الولايات المتحدة انخفضت نسبة جرائم القتل بشدة في فترة التسعينات ثم استقرت بعد ذلك لتعاود الانخفاض مجددا منذ 2008 الى اليوم كما يشير الرسم البياني
عالميا كذلك ، نسبة جرائم القتل آخذة بالانخفاض وان كان بشكل طفيف فما بين عامي 2003 و2012 انخفضت النسبة من 7.1 الى 6.2 قتيل لكل 100 ألف من السكان.
لاحظ هنا ان عدد القتلى بسبب جرائم القتل اضعاف عدد قتلى الحروب وان بدا الامر مختلفا تماما في وسائل الاعلام.
ويرى كثير من خبراء علم الجريمة أن تقليل جرائم القتل بسنبة 50% يمكن تحقيقه خلال العقود الثلاثة المقبلة.
العنف ضد المراة
لعل العنف ضد المرأة هو من أكثر القضايا التي تشغل الرأي العام والمنظمات الحقوقية هذه الايام، على اي حال الاحصائية الوحيدة المتوفرة بين يدي هي في الولايات المتحدة الامريكية وتشير لانخفاض العنف بين الازواج سواء الاعتداء بالضرب أو الاعتداءات الجنسية بين الزوجين.
لا يوجد احصائيات دقيقة عن بقية دول العالم لكن ربما يكون انخفاض العنف في بقية ارجاء العالم موشر على انخفاض العنف ضد المرأة أيضا، ومما يدفع على التفاؤل تنامي حركات الاحتجاج المطالبة بحقوق المرأة والمستنكرة للتحرش الجنسي والاجبار على الزواج وتشويه الاعضاء التناسلية، وصحيح ان تلك الحركات تأخذ طابع الاحتجاجات فقط وليس لها سلطة سياسية لكن ربما تؤتي ثمارها في المستقبل مع مرور الوقت.
العنف ضد الاطفال
بحسب البيانات المتوافرة تشهد الدول الصناعية عموما انخفاضا في العنف ضد الاطفال، الرسم البياني يوضح انخفاض معدلات العنف ضد الأطفال في الولايات المتحدة الامريكية خصوصا العنف بين طلاب المدرسة.
انتشار الديمقراطية
الديمقراطية أظهرت انها أكثر صلابة مما كان يعتقد، فعلى عكس التوقعات السابقة الدول الديمقراطية لم تتحول الى دكتاتوريات بل هي دول مستقرة نسبيا.
الاخبار الجيدة هي ان عدد الديمقراطيات في تزايد حول العالم بل وحتى الدول الفاشية صارت أقل قمعا الان مما كانت عليه سابقا.
لعل تناقص العنف هو اعظم انجاز في تاريخ البشرية وفي نفس الوقت هو الانجاز الذي لايعرف احد عنه وهو شيء مؤسف حقا أن لانقدر ثمار عمل اجدادنا وابائنا.
لماذا العنف اخذ بالانخفاض؟
الحقيقة انه لايوجد جواب مؤكد لكن قد يكون هناك اكثر من سبب منها كما قلنا المعايير الاخلاقية المرتفعة مقارنه بما سبق فالعنف أصبح مستهجنا جدا في ايامنا.
بالنسبة الى الحروب فهناك عدد من العوامل التي تسببت في تناقصها، منها انتشار الديمقراطية فالدول الديمقراطية نادرا ما تتقاتل مع بعضها بالاضافة الى أنها الاكثر استقرارا فتقل احتمال حدوث الحروب الاهلية.
تناقص عدد قتلى الحروب مرده الى ان الدول العظمى لم تعد تتقاتل فيما بينها بل وشهدت الحروب بين الدول انخفاضا فأغلب الحروب الان هي حروب اهلية ضمن الدولة نفسها، وفي الحروب الاهلية يقل عدد الضحايا بسبب قلة عدد المتحاربين بطبيعة الحال مقارنة بحروب ما بين الدول.
انتشار العولمة والتجارة الدولية كان له دور في تقليل الحروب فالان اصبح شراء الموارد الطبيعية اسهل بكثير واقل تكلفة من القتال لاجلها بالاضافة الى ان الدول اصبحت تعتمد على بعضها من ناحية التجارة والاقتصاد مثلا هناك شركات امريكية كثيرة تمتلك مصانع داخل الصين فبالرغم من العدواة السياسية بين البلدين الا ان خوض حرب بينهما لن يكون حكيما.
لكن لماذا اذا نظن ان الامور في اسوء حال؟
يعود هذا الى عدة أسباب:
الاول هو وسائل الاعلام التي تنقل الاخبار المثيرة للاهتمام فلن تجد محطة اخبارية تنقل عدم وجود حرب.
باختصار اذا بقيت تبني نظرتك حول العالم بحسب وكالات الانباء التي لاتنقل إلا الأسوء فحتما ستشعر ان العالم ينهار ويتجه بتسارع نحو الهاوية ولا أمل في انقاذه، فبالتالي من الاولى ان تتبع الاحصائيات وليس الاخبار وذلك لترى الصورة الكبيرة لما عليه الامور.
السبب الثاني نفسي، في علم النفس يوجد ما يسمى بـمغالطة الانحياز التوافري Availability bias: الاحداث التي نتذكرها بقوة نميل للاعتقاد انها ستحصل معنا، مثال على الانحياز التوافري اننا نتذكر حوادث الطائرات أكثر من حوادث السيارات فبالتالي نشر انها الاكثر خطورة بينما العكس هو الصحيح فالسفر بالطائرة اكثر امانا من السفر بالسيارة.
الطابع الحزين والمثير للمشاعر الذي تتصف به الحروب واخبارها، والصور ومقاطع الفيديو التي تعرض في الانترنت والفضائيات خصوصا ان أكثرها يحمل طابعا وحشيا لايزول من الذاكرة بسهولة، كل هذا يجعلنا نتذكر اخبار الحروب بقوة فنشعر ان فرصة حدوثها معنا كبيرة.
لكن ربما هذا شيء ايجابي، اعني نقل أخبار الحروب بهذا الشكل يدل على ان الحروب اصبحت ندرة هذه الايام.
ارتفاع المعايير الاخلاقية
المعايير الاخلاقية هي ما يفرق بين السلوك الصحيح والسلوك الخاطئ، تختلف المعايير الاخلاقية من شخص لآخر بحسب البيئة والعادات والتقاليد والمعتقدات لكن من الواضح ان المعايير الاخلاقية عند البشر عموما هي بارتفاع بل وترتفع بسرعة ايضا فما كان مقبولا بالماضي لم يعد مقبولا الان.
العقوبات الجسدية الشديدة مثل التعذيب داخل المعتقلات بالاضافة الى تنفيذ عمليات الاعدام بحق السجناء بطرق قاسية كالاحراق وغير ذلك نعتبرها في ايامنا هذه مستهجنة وبشدة، لكن قديما كانت تلك الاشياء عادية جدا، حيث كان المدانون يعاقبون بالتعذيب او ربما الاعدام عن جرائم نعتبرها في ايامنا هذه مجرد جنحة يدفع مرتكبها غرامة مالية.
ان سرعة ارتفاع معاييرنا الاخلاقية فاقت بكثير سرعة التقدم الاخلاقي على أرض الواقع، فنحن نقارن زمننا الحالي ليس بما مضى ولكن بمعاييرنا الاخلاقية المرتفعة.
طبعا لايجب ان يفهم من كلامي أنني أدعو الى تخفيض المعايير بل برايي ان نرفعها اكثر لكني اريد ان اثبت ان العالم يتغير نحو الافضل وهذا يمحنا الامل في مواصلة السعي بخطى حثيثة نحو رفع مستوى الاخلاق لتناسب المعايير.
أحيانا يكون التركيز على نشر الاخبار السيئة والتركيز عليها عملا مقصودا
ستيفن آرثر بينكر أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب أفضل ملائكة الطبيعة البشرية The Better Angels of Our Nature والذي اخذت عنه فكرة هذا المقال، يناقش في كتابه الاسباب الداعية لبعض الاشخاص لنقل اخبار العنف والتركيز عليها.
يقول بينكر حول الموضوع : "إذا كانت لديك غاية تريد تحقيقها وتريد حشد الانصار، فإنك قد تحاول اقناعهم ان الوضع يزداد سوءا وعليهم ان يتبعوك لاصلاح الحال".
لهذا السبب احيانا كثيرة يكون الهدف من التركيز على سوداوية الوضع هو التحريض واتسجداء العاطفة لجمع المناصرين.
يضيف بينكر: " اذا اردت فهم الواقع فلا تشكل معتقداتك بناء على مجرد صورة قاسية ومحزنة رأيتها في الإعلام، فتلك الصورة لوحدها لن تعطيك فكرة صحيحة عن شكل العالم".
بالطبع ليس الهدف لوم وسائل الاعلام على تغطيتها لاخبار الحروب فهذه مهمتها في النهاية، لكن الهدف هو ان نحث انفسنا على تكوين فهم صحيح للعالم الذي حولنا عبر النظر للصورة الكبير بدلا من التركيز على تفاصيل غالبا ما تكون مضللة.
أخيرا سنتكلم عن انخفاض الفقر حول العالم
منظمة الامم المتحدة وضعت خطة للقضاء على الفقر بحلول عام 2030، اذا كيف تسير الامور؟
الحقيقة انه يصعب عمل احصائيات دقيقة حول اعداد الفقراء لأن اول سؤال ستجد نفسك تصطدم به هو: ما هو تعريف كلمة فقير؟ أو ما هو الحد الأدنى من الاستهلاك اليومي لشخص ما لنعتبره فقيرا؟
بحسب البنك الدولي يصنف الشخص تحت خط الفقر الشديد اذا كان يستهلك أقل من 1.9 دولار في اليوم الواحد، في عام 1990 كان هناك مليار و900 مليون انسان في العالم تحت خط الفقر الشديد وهو ما يعادل تقريبا ثلث سكان العالم (37%)، لكن بحلول العام 2015 انخفض عدد من هم تحت خط الفقر الشديد الى 700 مليون حول العالم مما يشكل انخفاضا بنسبة 74% خلال 25 عاما.
هذا يعني خروج أكثر من مليار انسان من دائرة الفقر الشديد.
احصائيات البنك الدولي ليست الوحيدة الموجودة حول هذا الامر، وزارة الزراعة الامريكية ترى ان كل من ينفق اقل من 5 دولارات يوميا تحت خط الفقر بينما من ينفق أقل من 2.5 دولار تحت خط الفقر الشديد، بناءا على هذا: ما بين عامي 1980 الى 2012 تناقص عدد من هم تحت خط الفقر بنسبة 18% بينما تناقص عدد الذين تحت خط الفقر الشديد بنسبة 37%.
في الختام ليس هدفي أن أقول ان الأمور مثالية وفي احسن حال وأن علينا أن نوقف العمل نحو الافضل بل على العكس فلا زال امامنا طريق طويل، لكن الفكرة هي تسليط الضوء على الجانب المشرق وهو ان الامور تسير للافضل، وذلك يعني اننا نفعل شيئا صحيحا وينبغي علينا متابعة الافعال الصحيحة لإكمال المشوار حتى اخره.
مراجع وروابط خارجية:
https://msjjonsey.com/2014/09/25/whats-with-all-this-war-stuff-anyway/
https://www.pri.org/stories/2014-09-29/world-actually-becoming-more-peaceful-believe-it-or-not
http://www.unilad.co.uk/opinion/is-the-world-becoming-more-violent/
http://dailyvibes.org/world-becoming-peaceful/
http://www.npr.org/sections/thetwo-way/2016/10/02/496099777/global-poverty-declines-even-amid-economic-slowdown-world-bank-says
http://www.worldbank.org/en/news/press-release/2015/10/04/world-bank-forecasts-global-poverty-to-fall-below-10-for-first-time-major-hurdles-remain-in-goal-to-end-poverty-by-2030
https://ourworldindata.org/extreme-poverty/
https://www.psychologytoday.com/blog/excellent-beauty/201607/is-the-world-more-dangerous-now-ever
http://www.slate.com/articles/news_and_politics/foreigners/2014/12/the_world_is_not_falling_apart_the_trend_lines_reveal_an_increasingly_peaceful.html
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.